هل من شبهة دستورية في قوانين النقابات؟
د. خليف الخوالدة
بداية أود الإشارة إلى أن الفقرة 2 من المادة 16 من الدستور الأردني تنص على «للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور». وهذا يعني أن الدستور قد ضمن حق الأردنيين في الانتساب للنقابات دون اكراه أو إجبار. وعليه، لا يجوز النص في أي قانون أو نظام على إلزامية الانتساب للنقابات وكذلك لا يجوز النص على الزامية الاشتراك بصناديقها ومنها صندوق التقاعد. وليس من مصلحة الدولة النص على الزامية الانتساب للنقابات. أقول بصراحة، وأعني تماما ما أقول، أي مسؤول في الدولة إن لم يكن عنده حساً أمنيا قويا، لا يستحق أن يكون مسؤولا فيها.
في البدايات لم تكن المهن الحرة مشمولة بالضمان. لهذا ولغيره من الدوافع والأسباب عملت النقابات على إنشاء صناديق للتقاعد للأعضاء بالإضافة إلى صناديق الاستثمار والادخار.
حاليا الضمان الاجتماعي بديل لجميع أنواع التقاعد وصناديق التقاعد بما في ذلك صناديق التقاعد في النقابات. لذا أرى وقف الاشتراك الجديد بصناديق التقاعد في النقابات تماما وذلك للحد من استخدامها لأغراض انتخابية خصوصا وهي قيد الافلاس ولما لذلك من آثار اجتماعية ووطنية، والابقاء على صناديق الاستثمار التي تحتمل الربح والخسارة حيث إن نجاحها يعتمد على الانجاز.
نص النظام المعدل لنظام التقاعد لأعضاء نقابة المهندسين رقم 84 لسنة 2023 على الزامية الاشتراك بصندوق التقاعد حيث اعتبر عضو النقابة مشتركا حكما من تاريخ اشتراكه بالنقابة.
لا يصح بالمطلق إلزامية الاشتراك بهذه الصناديق التقاعدية للأعضاء الجدد بأي حال بل أراه يخالف الدستور. ولا يصح زيادة قيمة الاشتراك عليهم بهدف توفير قيمة الرواتب التقاعدية للأعضاء المتقاعدين حاليا على حساب الأعضاء الجدد.
الحل الصحيح هو إعادة النظر بهذه الرواتب التقاعدية وضبطها والتوجه لمصادر أخرى كالاستثمار لتوفير تمويل مستدام لها لا بتحميلها للأعضاء الجدد.
للحكومات أدوار لا يصح التخلي أو التغاضي عن أي منها، بل عليها متابعة كل ما يجري في الساحة من أحداث وتحديات وضبط أي ممارسات أو توجهات في إطار المصلحة الوطنية العليا، فعمل المؤسسات والشركات والنقابات وغيرها خاضع لمتابعتها ذلك لضمان انسجامه مع الصالح العام، ولا يصح أن توافق الحكومات على أنظمة تثقل كاهل الخريجيين الجدد لمجرد أنها تحل مشكلة آنية لدى النقابات تتمثل بتوفير تمويل للرواتب التقاعدية الحالية.
ينظم قانون الأحزاب السياسية عمل الأحزاب ولكل منها نظام، بينما لكل نقابة قانون خاص بها. وأرى أن تكون القوانين للمهنة وليس النقابة مثلا أن نقول «قانون المحاماة» وليس كما في الأردن «قانون نقابة المحامين» والأمر بطبيعة الحال يسري على بقية المهن، وهذا معمول به في كثير من دول العالم والدول العربية منها.
الأصل أن تكون هذه القوانين للمهن وليس للنقابات وأن تُشكل أُطرا تشريعية تنظم هذه المهن والدور التنظيمي للمهن بالأصل للوزارات والدوائر الحكومية بمساهمة النقابات وليست للنقابات، واقترح أن يكون هناك قانون واحد لتنظيم العمل النقابي يكون بمثابة مرجعية تشريعية موحدة تنبثق عنه أنظمة داخلية أو أساسية للنقابات على غرار قانون الاحزاب السياسية، وبالتالي تكون مرجعية الالتزام بتنفيذ هذه القوانين (كما تنص المادة الأخيرة من أي قانون) لرئيس الوزراء والوزراء صحيحة. معنى ذلك، برأيي، عدم جواز اصدار قوانين للنقابات وأن اصدارها يخالف الفقرة الثانية من المادة 16 من الدستور الأردني والتي تتضمن أن تكون النقابات ذات نظم (وليس قوانين) لا تخالف أحكام الدستور، ولهذا تعمل الاحزاب بموجب أنظمة تحت مظلة قاون الأحزاب السياسية وليس لكل حزب قانون.
تُعد نقابة المحامين الأردنيين أولى النقابات المهنية في الأردن حيث تأسست سنة 1950 وصدور قانون نقابة المحامين النظاميين رقم 31 لسنة 1950 كان بمثابة سابقة خطيرة دفع بها أصحاب الاختصاص من خلال دورهم في إعداد التشريعات والمشاركة في اقرارها وتم القياس عليها للأسف بالنسبة لبقية النقابات. ولهذا تعمل النقابات بموجب قوانين وتستمد قوتها من القانون. ويُعد هذا النوع من القياس مشكلة متجذرة في التشريع. على سبيل المثال إذا تضمن قانون أو نظام يخص مؤسسة ما خللا معينا عند اصداره، يمتد هذا الخلل لبقية قوانين وأنظمة المؤسسات الأخرى من باب المطالبة بالمثل والقياس على تلك السابقة التشريعية.
أنا لست قانونيا ولكني أقول، وأملك الحجة والدفوع عمّا أقول، لا يجوز أن تصدر قوانين إلا لمؤسسات الدولة لأن مسؤولية الالتزام بتطبيق القانون تقع على عاتق مجلس الوزراء والوزراء بما فيهم رئيس الوزراء. وعليه، هل يجوز اصدار قانون لنقابة ومسؤولية تطبيقه على الحكومة؟
أرى أن تعمل النقابات بموجب أنظمة وليست قوانين وذلك انسجاما من نص الفقرة 2 من المادة 16 من الدستور وأكرر نصها مرة أخرى» للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور».
ولهذا، الأمر يحتاج إلى معالجات قانونية وتوفيق أوضاع خلال فترة زمنية محددة، وليس من مصلحة الدولة، وخصوصا في ظل هذه التحديات الجسيمة والأخطار المحدقة بها، أن تُبقي على عمل النقابات بموجب قوانين لا أنظمة، الأصح أن تعمل بموجب أنظمة، كما نص الدستور، تنبثق هذه الأنظمة عن قانون واحد ينظم عمل النقابات، وبهذا، لا تبدي النقابات في تعاملها مع الدولة أي ندية تصل لمرحلة توقيع مذكرات بينها «كممثلة للموظفين» وبين الوزارات أو المؤسسات الحكومية التي يعملون فيها كما حدث في عهد الحكومة السابقة. وبذلك نكون بمنأى عن مظاهر الاستقواء على الدولة أو محاولة لي ذراع مؤسساتها.
التحديث الشامل بأبعاده السياسية والاقتصادية والادارية يحتاج إلى عمق وبعد نظر وليس مجرد معالجات شكلية سطحية – قد تؤخر لا تقدم - ذلك لأنها لا تبرح الشكل والقشور ولا تمتد إلى الجذور.
ولنعلم جميعا أن سياسات الترقيع والتسليك وتمرير الأيام لا تخدم الدولة بأي حال، وأن مستقبل الأجيال أمانة في أعناق الجميع.