الدينار ثابت في اقتصاد متحرك

سلامة الدرعاوي

 

الدينار، بثبات سعر صرفه، يطرح سؤالاً مهماً: كيف استطاع الأردن الحفاظ عليه في وجه التحديات المتلاحقة التي عصفت بالمنطقة والعالم على مدى الـ25 عاما الماضية؟ الجواب يكمن في الإدارة الحكيمة والمدروسة للسياسات النقدية التي يقودها البنك المركزي وفق اعلى معايير الحاكمية، والتي جعلت من استقرار الدينار ركيزة أساسية للأمن الاقتصادي الوطني.

 

 

تبدأ قصة النجاح هذه من إدراك أهمية الاستقرار النقدي كعنصر حيوي لجذب الاستثمارات وتعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني، فالأردن، بفضل رؤية جلالته الثاقبة، تمكن من تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية التي ساهمت في تحقيق هذا الاستقرار.

 

ومن بين هذه الإصلاحات، تعزيز الشفافية في القطاع المالي، وتحسين بيئة الأعمال، وتطوير البنية التحتية المالية، ودعم البنك المركزي الأردني في تطبيق سياسات نقدية تحفظ قيمة الدينار. ومنذ توليه سلطاته الدستورية، أولى جلالة الملك عناية خاصة لتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد، فالاحتياطيات الأجنبية، التي كانت تقدر بنحو 2 مليار دولار في بدايات حكمه، شهدت نموا ملحوظا لتصل اليوم إلى أكثر من 18.1 مليار دولار، ما يعكس قوة واستقرار الدينار والاقتصاد الأردني، فهذا التحسن لم يأتِ من فراغ، بل كان نتيجة لسياسات تعزز الصادرات، وتشجع على الاستثمار وتحويلات المغتربين، وتفتح آفاقا جديدة أمام التدفقات الاستثمارية.

أضف إلى ذلك، لعبت العلاقات الخارجية القوية التي نسجها جلالة الملك دورا حاسما في تأمين الدعم الاقتصادي اللازم وفتح أسواق جديدة أمام المنتجات الأردنية، فهذه العلاقات ساعدت على زيادة الصادرات والتدفقات الاستثمارية الأجنبية إلى الأردن، ما أثر بشكل إيجابي على ميزان المدفوعات وزاد من احتياطيات العملة الأجنبية.

الأردن، تحت راية جلالته، لم يقف مكتوف الأيدي إزاء الأزمات العالمية؛ من جائحة كورونا التي أثرت على التجارة الخارجية وسلاسل التوريد العالمية، إلى التحديات الاقتصادية الأخرى التي تواجه المنطقة، فالحكومة، بتوجيهات من جلالته، اتخذت سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ساعدت على تعزيز سيادة القانون وبناء اقتصاد مرن قادر على التعامل مع الأزمات.

جلالته لم يكتف بالعمل على الجبهة الاقتصادية فحسب، بل أولى اهتماما بالغا لتوظيف العلاقات الخارجية بما يخدم الأمن والاستقرار الاقتصادي للمملكة، فهذه العلاقات، بفضل حكمته ورؤيته البعيدة، مكنت الأردن من الحصول على دعم خارجي في أوقات كانت في أمس الحاجة إليه.

التزام الأردن بالإصلاحات المستمرة وتعزيز البنية التحتية للسوق المالية كان له بالغ الأثر في تحقيق الاستقرار المالي، اذ ان تحسين الإطار التنظيمي والإشرافي للنظام المالي، بالإضافة إلى تبني تقنيات مالية متطورة، عزز من كفاءة وشفافية العمليات المالية، مما ساهم في استقرار سعر صرف الدينار.

على الجبهة الداخلية، اعتمد الأردن على سياسة التنويع الاقتصادي لتقليل الاعتماد على الواردات وزيادة الإنتاج المحلي، مما عزز من قدرة الاقتصاد على مواجهة الصدمات الخارجية، فالاستثمار في القطاعات الحيوية كالطاقة المتجددة، والسياحة، والتكنولوجيا، لعب دورًا مهمًا في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.

إن قصة الأردن في الحفاظ على استقرار الدينار ليست مجرد شهادة على الحكمة والإدارة الراشدة لجلالة الملك عبدالله الثاني، بل هي أيضا دليل على قوة ومرونة الاقتصاد الأردني في مواجهة التحديات العالمية.

هذا الثبات في سعر الصرف، بمثابة الحجر الأساسي الذي يعتمد عليه بناء اقتصاد مستقر ومزدهر، قادر على تحقيق تطلعات الشعب الأردني نحو مستقبل أفضل.