الملك يسمع العالم الحقيقة المرة

د. محمد المومني 

لا يدرك أهمية زيارة الملك وكلماته الشجاعة في عواصم الغرب إلا المتابع للشأن السياسي الدولي وأجواء التفاعل مع ما يحدث في فلسطين في العالم. ثمة انحياز وتعاطف دولي هائل مع إسرائيل ودعم مطلق لا حدود له، وإن كانت إسرائيل تخسر سياسيا وإعلاميا بشكل متصاعد مقارنة بالسابق في ظل تعاظم التعاطف الدولي مع إنسانية الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، إلا أنه ما تزال أجواء التعاطف والدعم طاغية لجهة إسرائيل. الملك وفي ضوء هذه الأجواء، يقف بشجاعة ومهابة، ويطرح السردية العربية مدافعا عن الشعب الفلسطيني وإنسانيته، ويقدم للعالم خطابا غير ذلك الذي يسمعونه من إعلامهم والسياسيين عندهم، ويقول بالأرقام وبلغة قانونية ودبلوماسية محكمة ما هو واقع الحال، وأهمية الوقف للمجازر التي تحدث وإدخال المساعدات، وأن الحل والحكمة يقتضيان أن يعطى الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف. 


الملك يقول للعالم ما لا يسمعونه دوما؛ لأنه يمتلك شبكة علاقات دولية بنيت على الثقة والمصداقية والاحترام، فهو يمتلك مصداقية شخصية وسياسية عالية، ورصيدا كبيرا من الشجاعة التي جلبت له احترام الأصدقاء والمنافسين، وهو قائد لبلد عرف بوسطيته واعتداله وانحيازه للحق والموضوعية، وهو الذي شيد منظومة من الأجهزة الاحترافية في التقييم والتنفيذ واتخاذ القرار، وبكم مصداقية هائلة جعلت العالم يحترم المؤسسية الأردنية الأمنية والمدنية. الملك ليس أي قائد من الشرق الأوسط يستند لسردية وكلام غير مؤثرين منفصلين عن الواقع، بل حكيم مطلع يفهم العالم وما يفكر به الغرب، ويفهم شعبه وألم الفلسطينيين وتعاطف العرب والمسلمين، وهذا زوده بقدرة هائلة على أن يكون كلامه ذا صدى يسمعه العالم ويحترمه ويتفاعل معه. ظن البعض أن موقف الأردن القوي جراء ما يحدث في فلسطين سوف يكون له تبعات صعبة على البلد، ولا شك أن في ذلك منطقا، لكن الخطاب الملكي كان دوما معززا بلغة القانون والحق، وأننا حتى لو كنا أصدقاء مع الغرب فهذا لا يعني أننا لا نختلف معهم في الطرح والتقييم والفعل، وهذا ما يفعله الأصدقاء، وهم ذاتهم يقولون لنا إننا نحتاج أصدقاء يقولون لنا ما لا نريد أن نسمع ويسمعوننا الحقيقة المرة.

الملك يقول للعالم بشجاعة إن ما يحدث للفلسطينيين ظلم شديد ولا بد أن يتوقف، فإن لم يتوقف فإن علينا توقع تبعات لأن التاريخ والمنطق يقولان لنا إن القهر سيولد الانفجار،  وأن ما يحدث من قتل ودمار في غزة، ما هو إلا زراعة لعنف قادم قد يكون أشد من السابق، وإن الحل يكمن بالحكمة السياسية وإعطاء كل ذي حق حقه، أما الاستمرار بحرمان الفلسطينيين من حقهم الإنساني والقانوني والسياسي فهذا أمر لا يمكن أن يستمر وسندفع ثمن ذلك جميعا.