غزة بين مرارة لقمة العيش وحرب التجويع
د.هايل عبيدات
المهمة المستحيلة ولقمة العيش
أصبحت مهمة الحصول على الغذاء في قطاع غزة الذي يتعرض للحصار منذ سبعة عشر عاما مهمة مستحيلة، في ظل استمرار حرب الابادة والتجويع الذي تمارسه بكل وحشية قوات الاحتلال الصهيوني.
وصاحب هذا الحصار انقطاع امدادات الغذاء واغلاق المنافذ والمعابر ومنع دخول المساعدات الانسانية ، وتدمير البنى التحتية ومصادر الطاقة ومراكز البيع ، حتى المخابز البالغ عددها 130 مخبز فقط تعرضت للتدمير، اضافة الى سلسلة الغذاء المحلي ومصادر المياه والطاقة التي اصبحت لا تلبي احتياجات اكثر من 10% من سكان القطاع الذي يبلغ 2.2 مليون نسمة.
كل ذلك ادى الى انهيار وغياب منظومة الغذاء والمنظومة الصحية في القطاع ما يشكل مخالفة لكل للمواثيق الدولية والانسانية ، وخاصة نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
هذا الواقع الصعب ، يستدعي تحركا عربيا موحدا جماعيا وشعبيا واسعا ومنظما واكثر حزما وتاثيرا ليرتقي الى الطموح الشعبي العربي، والتحرر من حالة الغموض والعجزالرسمي الذي اصبح يهدد الامن القطري والقومي.
ويسجل هنا للدولة الاردنية موقفها الذي تقدم على مواقف الاخرين و تماهى مع الموقف الشعبي اضافة الى استمرار الزخم الشعبي الرافض للعدوان النازي على الشعب الفلسطيني في غزة وفلسطين.
وهنا تاتي أهمية الحفاظ على منعة الاردن أرضا وتاريخا وجغرافيا واعادة قراءة معمقة وتقدير للظروف الدقيقة التي يمر بها ، وما يحاك له مستقبلا وعدم الانسياق وراء الشعبوية والتضليل من اي طرف، لان الاستمرار في حالة التيه انتحار للاردن وفلسطين معا.
ووفقا لدراسات وبيانات المنظمات الدولية ومنها منظمة الصحة العالمية واليونسيف والانروا التي تتعرض هي الأخرى لمخطط تصفية اسرائيليا وامريكيا وكذلك برنامج الغذاء الاورومتوسطي والصليب الاحمر اللذان يتعرضان ايضا لحملة تصفية لمهامهما ، فان برامج المساعدات والدعم لاحتياجات القطاع لا تلبي حاجة أكثرمن 300.000 ألف مواطن غزي.
وبعد انقضاء أكثر من اربعة أشهر من الحرب فقد تناقص العدد الى النصف، خاصة ان دولة الاحتلال تعمل دوما وقبل العدوان على اعاقة العمل وتقليص ساعات العمل والاغلاق المتقطع في المعابر مما ادى الى اعاقة سلسلة الغذاء المحلية في غزة بعد الحرب الوحشية والاغلاق والحصار والتجويع الذي بات سلاحا لمعاقبة المدنيين فان أهل غزة أمام مجاعة حقيقية في ظل سياسة التجويع التي تتبعها اسرائيل .
لغة الارقام والحقيقة المؤلمة
وحسب الدراسات المستقاه من المنظمات الدولية فأن هناك اكثر من 335الف طفل دون الخامسة من العمر يعانون من حالة سوء التغذية اي ما يقارب 15% من عدد السكان .
وهناك ايضا اكثر من مليون نسمة يعانون من حالة انعدام الامن الغذائي، واكثر من 93-97% من السكان لم يتمكنوا من الحصول على ما يكفي من الاحتياجات الغذائية الضرورية.
وتشير الاحصائيات ايضا الى ان اكثر من 90% لم يتناولوا اي غذاء طيلة يوم وليلة حوالي 60 ساعة واكثر من 98% من الاسر التي افتقرت الى الاحتياجات الغذائية لمدة عشرة ايام .
وان أكثر من 70% من سكان غزة يعانون من مستويات حادة من الجوع و98% يعانون من عدم كفاية الغذاء و64% اصبحوا يلجأوون لتناول الحشائش اضافة الى عدم قدرتهم الحصول على لتر من الماء من اصل 15 لترا خو حجم الاحتياج اليومي للفرد.
وهنا تبرز المخاوف الحقيقية من ظهور المجاعة امام هذه الارقام المذهلة ومتطلبات متواضعة للحفاظ على مستوى البقاء على قيد الحياة تحت القصف العشوائي وحرب الابادة ومخططات التهجير القسري والواقع المأساوي في الشتاء القارس من تدمير ممنهج للمدن والاحياء والبنى التحتية في غزة التي تجاوزت الـ 70% في المدن الرئيسية ، واصبح القطاع مكانا غير قابل للعيش ومع ذلك ما يزال الضمير العالمي غائبا ، وفي حالة سبات عميق .
الحصة الغذائية وحاجة الفرد
والحصة الغذائية ، هي مجموع الكمية الموحدة من الطعام يتم قياسها مسبقا والاتفاق على محتوياتها من السعرات الحرارية والحصة الواحدة 100غم او 100مل وتختلف من شخص لاخر حسب العمر والوزن والجنس وهو ما يغطي 10% من احتياج الفرد اليومي.
وتتكون من 30 غم من اللحوم و30 غم من لحم الدواجن و15 غم نشويات و15غم من الكربوهيدرات و3غم من البروتينات وما يعادل 2000 سعر حراري في الحصة الواحدة .
ويبلغ احتياجات الفرد في الظروف العادية حوالي 50-150 غم يوميا من اللحوم الحمراء والبيضاء او 400-500 غم اسبوعيا اي ان المواطن الغزي يحتاج ما يقارب 16 كيلو غرام خلال الاربعة شهور من الحرب مضروبا بعدد السكان مليوني نسمة تقريبا ( 16 كغم *2.2مليون نسمة ) وما يقارب 32-35 كغم سنويا بمعدل وجبتين في الاسبوع .
وتبلغ احتياجات الفرد من الحليب والالبان ومشتقاتها حوالي ثلاثة اكواب اي 1000مللجرام اي ما يقارب 250 مل او 28 لترا اسبوعيا مع تفاوت الكميات حسب العمر مضروبا بعدد السكان ( 28لتر *2. 2 مليون ) ، بينما يحتاج الفرد ما يقارب 6 حصص من الحبوب يوميا بحيث تشمل الحصة الواحدة (100غم او مل ) شريحة من الخبز ونصف كوب من الارز او البرغل او المعكرونة وجميعها تتفاوت مع العمر والوزن وبمعدل 150 غرام يوميا او ثلاث الى خمس معالق يوميا .
وهذا يعني أن المواطن الغزي في الشهور الاربعة الماضية يحتاج الى ما يقارب 9 كيلو غرام مضروبا بعدد السكان 2.2 مليون تقريبا اضافة الى احتياجات الفرد من الزيوت والخضار( البطاطا، الطماطم، الفاصوليا، الباذنجان ...الخ ) والفواكه والتي يبلغ معدلها400-500 غم يوميا بمعدل ثمانين غرام لكل منها ، ناهيك عن الدهنيات والمعلبات والبيض والسكريات حيث يحتاج الفرد ثلاثة بيضات اسبوعيا اي ما يقارب 48 بيضة خلال الاربعة شهور من الحرب مضروبا بعدد السكان.
والسؤال المهم هنا ، انه في ظل الصمت الرسمي العربي والعالمي على الدمار وحرب الابادة هل يكفي دخول خمسين او مائة شاحنة مقابل 500 شاحنة يوميا كانت تدخل القطاع قبل السابع من اكتوبر ؟.
وهل تتمكن الخمسين شاحنة والتي نجهل محتوياتها قادرة على ان تحل مشكلة أهل غزة والتي بلغت نسبة دمار المدن فيها ما بين 48% الى 79% في معظم المدن باستثناء رفح التي بلغ بها حجم الدمارفيها 20%.
وهل تكفي تلك الكميات وهذا الموقف والصمت الرسمي العربي والدولي والضمير الانساني الغائب لحماية الشعب الفلسطيني وغزة من الانهيار؟؟؟؟؟
وعموما يبقى الرهان فقط على الصمود الاسطوري للمقاومة في غزة والتي تشكل صمام الامان والبقاء للشعوب العربية وصمام الحماية للنظام العربي باكمله قبل ظهور" غورباشوف عربي" او اكثر ان لم يكن قد بدأت ملامحه بالظهور على بعض الساحات الاقليمية.... !!