هؤلاء الأردنيون " النشامى" وهذه شخصيتهم
حسين الرواشدة
كيف يفكر الأردنيون ، وماذا حدث لهم؟
ينطوي هذا السؤال على دلالات مركبة تحتاج الى دراسات عميقة،لكن هذا ليس مكانها بالطبع، اريد فقط ان اشير الى مسألتين : الاولى : التحولات التي طرأت على الشخصية الاردنية ،على مدى 100 عام ،لم تكن مفاجئة، وان كانت متصاعدة ، فقد مرت هذه الشخصية بأطوار متعددة ومختلفة ، لكنها حافظت نسبيا على سماتها الرئيسة، اما الان ( اقصد خلال السنوات المنصرفة) فقد كشفت عن نفسها ، وربما «انفجرت» لدرجة لم نكن نتوقعها ،ما نشاهده،مؤخرا، من تحولات بالتفكير والسلوك ، ومن انبعاث للهوية الأردنية بشكل واضح وجسور ، اقرب دليل على ذلك.
أما المسألة الثانية فتتعلق ب"خزان» دراسة هذه الشخصية، وهو تاريخنا الأردني الذي لم نكتبه حتى الان كما يجب، مما فوت علينا فرصة قراءة شخصيتنا الاردنية بصورة صحيحة، واغرقنا بالتالي في محيط من التوقعات والهواجس، ان لم اقل الاخطاء ايضا.
لكي نعرف ما حدث للاردنيين ،وما يمكن ان يحدث لمجتمعنا في المستقبل ، نحتاج الى فهم سمات الشخصية الاردنية وتحولاتها في العقود الماضية، هنا يمكن ان نرصد ثلاثة معايير قد تساعدنا على فك شيفرة هذه الشخصية ، الاول: معيار التطور التاريخي لتشكل الهوية الاردنية، الثاني: الظروف والمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحاكمة لنشوئها وتطورها، الثالث: التراث الاردني الشفوي والمكتوب بما يتضمنه من امثال ولهجات ومصطلحات ونتاج فكري وأدبي وفني.
هذا، بالطبع يحتاج الى بحث طويل، ومع ذلك فان ابرز ما يميز الشخصية الاردنية انها بسيطة ومعقدة في آن، متساهلة وصعبة معاً، بطيئة التحول وسريعة الألفة، مسالمة في طبيعتها، خجولة في التعبير عن نفسها،
متصالحة مع غيرها ، لديها مقاومة للترويض وشراسة في المواجهة ونزوع الى الشدة حين تشعر بالتهديد، او ينتابها الاحباط، غالباً ما تصغي الى صوت وجدانها، وتنحاز الى ضميرها، تواجه العواصف بهدوء، وتعاند دفاعاً عن وجودها وحقوقها، وتتجلد بالصبر على مشكلاتها.
الشخصية الاردنية تميل الى التآنس، متجاورة ومتحاورة، تكره الفهلوة، وذات ابعاد افقية مرئية ومفتوحة، مزاجها صوفي، ولها امزجة متعددة ولكنها غامضة غالباً، لها انفاس حارة ولكنها تنمّ عن دفء لا عن حرق ، تهرب من المظاهر الى الجوهر، ذات فراسة خارقة، حائرة ومرتبكة احياناً، ولكنها تعرف ماذا تريد، حيرتها نوع من القلق الذي تفجره هواجس الخوف من القتامة او السكون( المجهول) ، سواء بفعل الجغرافيا او بفعل السياسة، القلق الذي قد ينتج فاعلية افضل للحركة نحو الامام.
الشخصية الاردنية ضد الانعزالية وضد التجريح، متعالية لكنها ليست استعلائية، منفتحة غالبا لكنها غير قابلة للذوبان، منقبضة وحزينة احيانا اخرى لكنها متصالحة مع الفرح المقنن، واقعية، تغلب عليها القسوة مع الذات، والسماحة مع الآخر، لا تألف السكون ولكنها قانعة، تبحث عن الجديد مع انها تخشاه، متدينة، غير مجاملة، منضبطة وغير مغامرة، تخفي اكثر مما تظهر، تتقن المفاجأة، لها تضاريس مركبة يصعب تفكيك طبقاتها، وبلا أبعاد مكانية ايضا.
في الشخصية الاردنية ثمة قطاعات عديدة تتمازج احياناً، وتتقاطع احياناً اخرى: قطاع احترام البطل وتمجيده، قطاع الحلم المسكون بهواجس العقلانية، قطاع الكرامة المتجذر في الاعماق، قطاع التدين المتصالح احياناً مع الواقع، قطاع الخصوصية المتماهية مع محيطها الانساني والحضاري.. ولكل قطاع بصمة ما في هذه الشخصية. لغز يكمن فيها، قوة تحركها وتستفزها، سلوكيات مفهومة وغير مفهومة.
أخيراً، الشخصية الاردنية خصبة، جدية، متمرسة على سلوك الوعر، غير منقادة، واعية، متماسكة، ذات روح متعالية وحساسة، متحررة من مثبطاتها، ما تزال تمتع بصحتها الانفعالية.. وتحافظ على قيمها العالية.
هل تتسم الشخصية الاردنية ببعض السلبيات؟اكيد، ولكن هذا ليس مجالها.. هل تحتاج الى تحليل اوسع؟ نعم، وهو في ذمة علماء الاجتماع و النفس – وما اكثرهم – في بلادنا.