اسمحوا لي أن اعتذر لأشقائنا
حسين الرواشدة
لا يوجد في قاموس الأردنيين، ولا في طباعهم ، أي نزعة للكراهية أو الإساءة أو التعصب ؛ الهوية الأردنية المنغرسة في التراب الوطني مفتوحة على دينها وعروبتها وإنسانيتها، لا تعرف الانطوائية ولا العنصرية ، هكذا تربى الأردنيون وكتبوا تاريخهم وحاضرهم، وهكذا تعاملوا مع أشقائهم ومع العالم أيضا ، فعلوا ذلك حين فتحوا بلادهم وقلوبهم للمهاجرين والمهجّرين ، اقتسموا معهم البيت والرغيف ، وفعلوه ، أيضا ، حين أصبح" ألهمّ العربي" هما وطنيا، وأزمات الأشقاء قضايا في صميم الحس الأردني ، لم يردوا الاساءة لاحد، ولم يعتذروا يوما عن مساعدة شقيق ملهوف ، أو دعم عاصمة عربية تعرضت لمحنة ، او رد التحية على أخرى قدمت لنا معروفا.
يرتبط الأردنيون مع اشقائهم القطريين بعلاقات تاريخية وثيقة ، كما يرتبطون مع اشقائهم في السعودية والإمارات ،وعمان والبحرين ، والكويت والعراق وغيرها من دولنا الخليجية والعربية، بأواصر عميقة من المحبة والاعتزاز والتقدير ، لدينا جميعا إحساس عام بأننا "أمة واحدة"، وأن ما يصيب الدوحة ،مثلا ، من خير ، يصيب عمان ، والعكس صحيح تماما ، لا مصلحة لأي أردني او قطري أن يحدث بيننا جفاء، أو أن نلتقي بدون أن نتصافح ونتبادل التحيات والابتسامات ، وبدون أن تمتد وتتشابك مصالح الدولتين ، وكل من يتجرأ على تعكير صفو هذه العلاقات الأخوية ،مهما كانت المبررات، لا يعبر ، أبدا ، عن أخلاق الأردنيين والقطريين ولا يمثل إلا الاستثناء المرفوض ، او "الثالول " القبيح في وجه بلدينا المشرق.
اسمحوا لي ،باسم الأردنيين الذين اثق بانتمائهم الوطني والعربي والإسلامي والإنساني ، أن اعتذر لكل اشقائنا الذين سجلوا عتبهم على ما صدر من بعض أبنائنا من هتافات او تعليقات او تغريدات، أخطأت طريقها ، في لحظة غضب، خارج سياق "الخلق الأردني"، هؤلاء لا يمثلون الأردنيين النشامى ، ولا يتحدثون باسمهم، ولا يعبرون عن قيم الدولة الأردنية التي تأسست على الوفاق والاتفاق ، والتضامن والتكافل، والنخوة والشهامة ، هذا الاعتذار الواجب لا يتحرك فقط في سياق المصالح المشتركة التي تفهمها الحكومات ، والتفاهمات السياسية التي تسخن وتبرد حسب المعطيات المعروفة ، وإنما في سياق اهم، وهو سياق" الأخوة " بين الشعوب ، والترابط التاريخي والجغرافي والمصيري بين أبناء الملة الواحدة ، وأخلاقيات التحضر الإنساني التي تقع في صميم ثقافة الذات الاردنية والعربية.
لنا مع قطر والعراق ، كما باقي دول الخليج العربي ، تاريخ طويل من العلاقات والاحترام المتبادل؛ مئات الآلاف من الأردنيين عاشوا هناك ، ومازالوا، فتح لهم اشقاؤنا بيوتهم وجامعاتهم ومؤسساتهم للإقامة والتعليم والعمل ، وكانوا افضل سفراء لنا، و مصدر اعتزاز وتقدير لكفاءتهم وإخلاصهم، كما استقبل بلدنا ،وما يزال، اشقاءنا بذات الروح الأخوية الوثابة لاحتضان الشقيق ، والترحيب به وتكريمه، وانزاله -حيث مقام الضيف العزيز عند الأردنيين- صدر الدار ، وحيث لا فضل لشقيق على شقيق الا بالمحبة والطيب والمعروف.
مثلما نعتز أننا أردنيون ، وأننا الوجه الجميل لأمتنا ، الحريصون عليها، نعتز ، أيضا ، باشقائنا في قطر والعراق ، وكل الجزيرة العربية والخليج ، ونفتخر بإنجازاتهم، ولا نسمح أن تكون الإساءة، من أي طرف ، مشتركات طارئة بيننا ، أو عوامل لبعث الخلافات داخل بيتنا الواحد ، سواء أكان ذلك باسم الرياضة أو السياسة أو غيرهما ، فنحن -أقصد الأردنيين - كنا النموذج للبناء لا الهدم ، واللقاء لا الفرقة ، والتصافي لا الخصومة، وإذا خسرنا مباراة او مصلحة ما ، فلا يجوز أن نخسر أخلاقنا ولا اشقاءنا ، هكذا نحن وهكذا يجب أن نبقى على الدوام، لا ننتظر من احد اي اعتذار. ، فنحن نتسامى عن رد الاساءة والخطأ من موقع السماحة والاقتدار ، لا من موقع الضعف والانكسار.