‏" خطوة تنظيم " للخروج من حالة الانفعال

 

كتب حسين الرواشدة 
‏ما شهدناه في بلدنا ،على مدى الأشهر الثلاثة الماضية ، من أفعال وردود أفعال ، لا يمكن فهمه إلا في سياق واحد ، وهو "الانفعال "، صحيح ، يبدو ذلك مشروعا في ظل مناخات الحرب على غزة ، وما ولّدته من صدمة لنا وللعالم،  ولدى الكثيرين منا ما يستدعي ذلك ، وما يبرر أيضا ، لكن السؤال : أليس من الضروري ،الآن ، أن نخرج من حالة "الانفعال " إلى الهدوء والتوازن،  وأن نفكر بمنطق من يريد أن يبحث عن إجابات في الواقع السياسي القائم ، لا في عوالم التخيلات والرغبات ، ثم في الإطار الاستراتيجي الذي يُفترض أننا اكتشفنا بعض خيوطه في هذه الحرب ، كما يُفترض أن نتصرف ضمن ما يطرحه من خطط  وسيناريوهات، وما يتضمنه من تحديات وأخطار،  وفق معادلة الحفاظ على مصالحنا العليا ، وأمننا الوطني؟ 
‏هذا السؤال مُوجّه ، تحديدا ، للنخب السياسية،  سواء أكانت في الشارع أو في مواقع المسؤولية ، لأنني أفهم ، تماما ، وأقدر عاليا ، الانفعالات الوطنية الصادقة التي يعبر عنها الأردنيون ، وهم يتابعون فصول "النكبة"،  وصور البطولة ، وقصص الصمود ، بموازاة بشاعة الإبادة والتطهير العرقي،  وهمجية المحتل ، وخذلان العالم لغزة وأهلها الصابرين. 
‏سأتجاوز الرد عن بعض الذين ما زالوا يرون في هذا "الانفعال " فرصة لتسجيل المزيد من الأهداف ، في مبارياتهم غير الودية على ملاعبنا ، أو الآخرين الذين يصبون الزيت على نيران الشارع، والمزاج العام المضطرب ، أصلا ، بقصد المزايدة وانتزاع إعجاب الجمهور ، أو توظيف دماء الشهداء للتطهر من أخطائهم؛  هؤلاء لا يستحقون الرد ، لأننا جربناهم في كل أزماتنا ، ولم تتغير أدوارهم أو مواقفهم.
‏إذا اتفقنا على أن الخروج من حالة "الانفعال"،  ومن محاولات توظيفه والاستغراق فيه ، أصبح واجبا وضرورة ، فإن بناء حالة جديدة من التعقل والتوازن وإدارة الحدث بهدوء ، ووفق حسابات تصب في مصالح الدولة الأردنية،  وتدعم إخواننا في غزة ، يحتاج إلى (خطوة تنظيم) ،  استدعاء هذا المصطلح من ميادين التدريب العسكري إلى ميدان العمل السياسي مقصود بالطبع،  لكن الأهم من ذلك هو توقيت استدعائه الآن ، وفي الأفق محاولات لترتيب الأدوار و تقسيم الأثمان السياسية ، وإشهار المحاسبات والمراجعات على منصة ما حدث في غزة ، تبعا للأوزان والمواقف ، والقدرة على الدخول في المعركة السياسية القادمة.
‏في سياق (خطوة تنظيم) أشير إلى ثلاث مسارات ، الأول : هذه الحرب ستشكل تحولا كبيرا في المنطقة ، ولا بد أن نتعامل معها بما يتناسب مع ذلك ، صحيح لسنا طرفا مباشرا فيها ، ولا يجوز أن نتقمص أدوار غيرنا،  لكن نتائجها ستشملنا،  وهذا يستدعي إعادة حسابات كلفة المواقف ، والتدقيق في صدقية التحالفات  والتفاهمات ، وجدوى وطبيعه العروض السياسية،  والأشخاص أو الأطراف التي تقف وراءها،  سواء أكانت شقيقة أم صديقة .
المسار ‏الثاني : دراسة حالة الجبهة الداخلية ، وإعادة ترسيم العلاقة بين إدارات الدولة والمجتمع ، في إطار مقاربات تتناسب مع خطورة المرحلة القادمة ؛ انسجام المواقف وتوزيع الأدوار مهم ، لكن الأهم منه هو تمكين مؤسسات الدولة من القيام بواجباتها،  وضبط حركة الشارع على إيقاع المصالح العليا للدولة،  ثم الانتقال ،تدريجيا ، من إطار التكتيك السياسي إلى الاستراتيجية ، سواء فيما يتعلق بالداخل ، أو بالعلاقة مع الخارج ، على أن يفرز ذلك توافقات وطنية تستند إلى الاعتماد على الذات ، و بإجماع الأغلبية.
‏المسار الثالث : هذه الحرب ستعيد إنتاج أطراف جديدة في المعادلة الفلسطينية والعربية والإقليمية،  مهم أن نعرف هذه الأطراف ، وندقق في اختياراتنا ، ومهم ،أيضا ، أن نتعامل مع "المركز الأمريكي " الذي يحركها بحسابات مع بعد الانتخابات ، لا حسابات ساعة" بايدن " التي يبدو أنها ستدور في الفراغ حتى نهاية العام الحالي على الأقل ، (خطوة تنظيم)  في سياق هذه المعادلات التي يجري تصميمها ،الآن ، لما بعد الحرب ، تبدو ضرورية ، لأن أي استعجال أو إنفعال لن يكون في مصلحتنا ، وفهمكم كفاية.