هل ستنتصر غزة؟
حسين الرواشدة
مهما تكن نهاية الحرب في غزة ، فإن المقاومة ستخرج منتصرة ، صحيح موازين القوى مختلّة تماما ، غزة تواجه تحالفا دوليا غير مسبوق، الكيان المحتل فقد عقله بعد صدمة 7 أكتوبر ،ويخوض حربا تتعلق بوجوده ، صحيح ، أيضا ، لا يوجد أي ظهير للمقاومة ، والغزيون في مواجهة حملة إبادة جماعية مفتوحة ، أشبه ما تكون بالمحرقة النازيه، لكن الصحيح ، ايضا، هو أن الكيان المحتل في ورطة ، يتصرف بمنطق الهزيمة ، وإذا كان نجح بقتل الأبرياء ، وتدمير العمارات والمشافي، والمساجد والكنائس ، فإنه لن ينجح باغتيال روح المقاومة ، ولا بتصفية القضية الفلسطينية.
هدف تل أبيب من الحرب هو اجتثاث المقاومة، وإعادة إنتاج غزة جديدة ، بأقل عدد من سكانها، وتحت سيطرة الاحتلال وادارته ، كل السناريوهات التي تطرح لما بعد الحرب تصب في اتجاه واحد ، وهو إغراق المقاومة في البحر، وتهجير السكان إلى مصر،، فهل هذا ممكن ؟ بتقديري هذا الانتصار لن يتحقق ، ربما في أسوأ التصورات تتمكن تل أبيب من إلحاق أكبر ضرر وخسائر بالمقاومة ، وربما تجتاح الأنفاق وتصل إلى القيادات وتغتال بعضها، لكن هذا الإنجاز ليس انتصارا، لأن إعادة الاعتبار لصورتها المزيفة أمام ذاتها ، والآخرين، يحتاج إلى أبعد من ذلك.
قلت : أبعد من ذلك، أولا : لأن المعركة غير متكافئة ، فهي بين دولة تعتبر نفسها الأقوى عسكريا في المنطقة والعالم ، وبين فصائل لا تملك إلا اقل العدة والعتاد ، ثانيا : لأن وراء تل ابيب دعم عسكري وسياسي دولي مفتوح ، وحلفاء اعتبروا أن هذه الحرب حربهم ، وبالتالي فإن معنى أن تنتصر ، ينصرف إلى نتيجة واحدة ، وهي إنهاء المقاومة ، وإقامة إدارة بديلة لحماس في غزة ، كمرحلة أولى لتصفية القضية الفلسطينية لاحقا، دون ذلك ، فإن أي تعادل وفق معادلة (لا غالب ولا مغلوب)، أو هدنة، أو صفقة لوقف الحرب ،وتبادل الأسرى، يعني أمرا واحدا، وهو هزيمتها ، وانتصار المقاومة.
إذا دققنا في المشهد ، نجد أن أداء المقاومة ،حتى الآن ، أفضل مما كنا نتوقع ، نجد ، ثانيا، أن أهل غزة ، كحاضنة للمقاومة، مازالوا صامدين وموحدين، نجد ، ثالثا، أن الرواية الفلسطينية وجدت لها صدى لدى الرأي العام الدولي ، وأدت إلى إزاحة الصورة التي روجها المحتل ، وانعكس ذلك، بالتالي ، على مواقف الدول والشعوب في العالم (القرار الذي تبنته الأردن بالجمعية العامة للأمم المتحدة يؤكد ذلك)، نجد ،رابعا ، أن القوة الهائلة التي استخدمتها قوات الاحتلال ،على مدى أكثر من ثلاثة أسابيع ، لم تُحدث أي فرق جوهري لحسم الحرب ، ما يستدعي استمرارها لمدة طويلة ،أو تحولها إلى حرب إقليمية، وهذا يصب في خانة خروج تل أبيب بدون انتصار ، إن لم تكن هزيمة.
حين ندقق اكثر، نجد أن هذه الحرب التي يقوم بها الاحتلال، ويعتبرها حرب استقلال ثانية، ليست الأولى التي يخوضها ضد المقاومة ، سواء في غزة ، أو في فلسطين ، أو لبنان، النتيجة كانت دائما واحدة ، ومازالت شاهدة ، وهي "الفشل " بتحقيق الأهداف التي كانت تعلنها، أقصد تدمير المقاومة وسحقها، أو حتى تدمير بنيتها التحتية ، ما حدث في كل هذه التجارب ، كان العكس تماما ، وهذا بتقديري سوف يتكرر في هذه الحرب ، حتى وإن كانت تُصنف بأنها غير مسبوقة.
أعرف أن لدى آخرين جردة من الأسباب التي تدفع باتجاه عكس ما ذكرته ، وأنا أُقدرها وأفهمها ، أعرف ،ثانيا ، أن المزاج الشعبي العام لا يحتمل أي كلام عن إمكانية هزيمة المقاومة ، وأن نشوة الانتصار ما تزال تحكم ردود أفعالنا في الشارع ، أعرف ،ثالثا ، أن معظم الخبراء العسكريين لا يضعون أكثر من نسبة 10% لسيناريو انتصار المقاومة ، أعرف ، رابعا، أن رأس المقاومة أصبح مطلوبا لأطراف عديدة ، وان انتصارها خبر مزعج جدا لهم، لكن مع ذلك كله ، لدي أن قناعة أن هذه الحرب سترسخ صدمة 7 أكتوبر ، وستشكل تحولا كبيرا في الإقليم ، وربما العالم ، وستتُوج بإيجاد مخرج لإسرائيل ، ضمن حدود ( نصف انتصار) ، وليس مخرج لنتنياهو ، وهذا يعني انتصار المقاومة، واعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام ، بموازين جديدة ، مختلفة تماما عن الموازين التي حكمتها 75 عاما .