مكالمة منتصف الليل في تعديل الحكومة
طوال ليلة الاثنين، حتى صباح الثلاثاء، انشغل رئيس الوزراء بالتعديل السابع على حكومته وبرغم أن المعلومات والإشاعات كانتا تشكلان ثنائية تناقض تفاصيلها بعضها البعض واحدة.
حتى الساعة السادسة والنصف من مساء ليلة الاثنين وبعد اتصالي بمسؤول مهم ومطلع على المعلومات لم يكن النائبان عمر عياصرة وخير أبو صعيليك قد قدما استقالتيهما، أصلا، هذا على الرغم من افتراض تقديم الاستقالة بشكل أبكر، من مساء الاثنين، استعدادا لتعديل الثلاثاء، وعلى الرغم من كلام البعض عن كون توزيرهما أصبح أمرا محسوما وقدرا لا مفر منه.
مجددا وما بعد التاسعة تم الاستفسار مرة ثانية، فأشير إلى أنهما لم يقدما استقالتيهما حتى ذلك الوقت، وكان هذا مؤشرا على حالة تراجع عن قرار التوزير، أو بطء غامض أو غير مفهوم، أو تردد بشأن توزيرهما، أو في أحسن الحالات إرجاء الاستقالات حتى صبيحة الثلاثاء.
ما بعد منتصف ليلة الاثنين حدثت الإشارة الأهم التي تثبت تجنب الرئيس لتوزير النواب في اللحظات الأخيرة، واللجوء إلى "خزانات سياسية" بديلة، إذ في الساعة الثانية عشرة والنصف، والرئيس لم يكن نائما، وقد أرهقته عمان السياسية، حدثت تحولات تثبت حدوث التراجع عن توزير النواب، بعد تقييمات معينة ترتبط بردود فعل النواب، الذين أبرقوا برسائل خشنة بشأن توزير زميليهما، في سياقات الغيرة، ربما أو الحسد أو المناكفة، أو حتى محاولات التخريب أو الحصول على هذه الفرصة لأسماء ثانية، وفي توقيت منتصف الليل سالف الذكر اتصل رئيس الوزراء هاتفيا بأحد الأعيان، وهو العين محمد داودية وعرض عليه وزارة الإعلام والاتصال الحكومي، ووافق داودية على أساس أن يتوجه صباح الثلاثاء إلى مجلس الأعيان لتقديم استقالته أيضا، تمهيدا للعودة إلى الحكومة وقد كان وزيرا فيها.
إلا أن الذي حدث أن داودية تلقى اتصالا صبيحة الثلاثاء وهو في طريقه إلى الأعيان للاستقالة تم إبلاغه فيه أنه تم التراجع عن توزير أحد من النواب والأعيان، مع تجنب كل قصة الاقتراب من مجلس الأمة، وهذا يعني أن لا وزراء من النواب أو الأعيان، في هذه الفترة لاعتبارات كثيرة ومتعددة، وقد كانت مكالمة منتصف الليل دليلا أولياً على تراجع الرئيس عن توزير النواب من حيث المبدأ، لكن اليوم التالي شهد تراجعا أكبر عن النواب والأعيان معا.
أجرى الرئيس تعديله السابع، وقد يقال الكلام الكثير حول أسباب خروج بعض الأسماء، وأسباب دخول بعض الأسماء، وكل هذا ليس مهما، ما دمنا نتحدث عن أهمية الإنجازات على أرض الواقع وتحقيق نتائج على صعيد الملفات التي تديرها الحكومة، لكن كل قصة التعديل كشفت جوانب كثيرة من أبرزها أن أي تعديل قد يتعرض للعرقلة إذا أفشيت الأسماء مبكرا كما في قصة النائبين، إضافة إلى أن تواقيت التعديلات لا يمكن حسمها، فقد تتأجل فجأة، لاعتبارات مختلفة، كما أن الخيارات في قطاعات معينة تبدو محدودة، وهذا أمر مثبت.
من المؤكد هنا أن الرئيس كان يعرف الحقائب التي سيغير عليها، إلا أن الأسماء الداخلة إلى حكومته لم تثبت إلا صباح الثلاثاء، أي يوم أمس، بما يؤكد هنا أن القرار الحكومي بخضع دوما لمداخلات وتأثيرات مختلفة، قد تجعل أي رئيس يندفع أكثر وينفذ قراره، أحيانا، او حتى يتراجع عن هذا القرار، تحت وطأة تقييمات الكلف، وربما محاولة توزير نائبين كانت من أكثر التجارب التي لمست فيها الحكومة، ارتفاع الكلفة، خصوصا، مع بقاء عدة شهور للنواب، بما سيجعلهم يطلقون سهام نقدهم ضد الحكومة ويبدأ بعضهم حملته الانتخابية مبكرا في الدورة العادية المقبلة لمجلس النواب، في سياق الثأر من الحكومة، وتعبيرا عن عدم الرضى على توزير نواب يتم تتويجهم كوزراء.
ولا ننسى هنا أن هناك آراء لشخصيات وازنة ذات خبرة في الدستور تعترض أصلا على انتقال النائب من النيابة إلى الوزارة، وتعتبر ذلك مخالفة، وهذا ما ذهب إليه الدكتور نوفان العجارمة، وهو بكل الأحوال شخصية لا يمكن إلا الوقوف عند ما تقوله في ظل خبرته الطويلة، التي لا يمكن التعامي عنها اليوم عندما لا تروق لأحدهم، أو لأن أغلبنا في عمان لا يقرأ ما يقوله هؤلاء، وسط تشاغلاتنا بالقيل والقال، وما بينهما من قيلولة وتأملات وغفوات.