‏أين أخطأ الرئيس وأين أصاب ؟

حسين الرّواشدة 

منذ نحو ثلاثة أشهر ونصف تحرك رئيس البرلمان ، أحمد الصفدي ، داخليا وخارجيا بأكثر من اتجاه ، الحركة تبدو مفهومه في سياقات متعددة،  منها أن انتخابه للرئاسة حظي بأغلبية برلمانية غير مسبوقة (104  أصوات ) ، كم أن الورثة التي وجدها على صعيد أداء البرلمان وسمعته لدي الأردنيين ، أنعشت فيه مزيدا من الحماسة ، ربما فكر بكسر معادلة (سكّن تسلم) ، أو وصلته رسائل بضرورة التغيير ، أو تحسين الصورة ، وربما أراد أن يقدم نفسه كخيار للمرحلة القادمة ، مرحلة الحكومات البرلمانية ، لكن يبقى السؤال : أين أخطأ وأين أصاب،  هل كانت حساباته صحيحة أم لا ، ثم هل وقع ب" فخ " الاشتباكات على مواقع النفوذ والسيطرة ؟

من المبكر ، بالطبع ، أن نحكم على تجربة الرجل القصيرة ، أو أن نخضعها للتقييم ، لكن ما أريد أن أشير اليه هو أن الرئيس الجديد تحرك بسرعة وعجلة  أيضا ، وراهن على توافقات غير ناضجة ، أثارت الغضب أو العتب لدى البعض ، كما أنه تصرف مع ملفات معقدة لا تحظى بإعجاب أو موافقة أطراف فاعلة ،  داخل البرلمان وخارجه، كان يمكن أن تكون خطواته أكثر ثباتا وتأثيرا ، لو استبقها بما يلزم من حوارات وتفاهمات، كما أن خطابه السياسي كان يفترض أن يكون معدّا بشكل أفضل .

مهمة الرئيس الأولى ، كما أكد نفسه،  هي إعادة ثقة الأردنيين بمؤسستهم البرلمانية ، ما فعله داخل البرلمان -حتى الآن - يصب في هذا الاتجاه بالنسبة لأكثرية النواب ، حيث تعدل المزاج النيابي نسبيا ، وحيث من المتوقع أن تساهم إعادة الهيكلة بمساعدة النواب والمجلس على تحسين الاداء،  المفارقة اللافتة أن ترتيب البيت الداخلي تزامن مع تخصيص الاعفاءات الطبية ( عشرة لكل نائب)، كان  يمكن للرئيس أن يتجنب ذلك ، أو أن يبحث عن ترسيم العلاقة بين النواب والحكومة خارج إطار تقديم الخدمات ، التأسيس للعدالة مهم في استعادة الثقة ، كما أن إعادة النواب لدورهم الرقابي والتشريعي هو بداية التصحيح .

أدرك، تماما ، أن الرئيس الجديد يريد أن يترك "بصمة" بعد سنوات طويلة من انتظار الوصول لهذا الموقع ، وبالتالي فإنه "يناور"  سياسيا: ثلاث زيارات لكل من القاهرة ودمشق وبغداد ، محاولات جادة لترتيب الأجواء مع الحكومة والإعلام ، ومع بعض نواب المعارضة ، مصارحات للرأي العام بالاخطاء ومواطن الضعف ، هذا كله مفهوم -بالتأكيد -لكن ثمة محاذير يفترض أن يفكر بها جديا : ملف العلاقات الخارجية ،مثلا ، مرتبط تاريخيا ببروتوكولات معروفة ، فيما الدبلوماسية البرلمانية لها حدودها المقررة،  الوعود والمصارحات للرأي العام يجب أن تكون منضبطة بإنجازات ملموسة ، التقارب بين البرلمان والحكومة قد لا يصبّ أحيانا برصيد شعبية المجلس ، والأهم من ذلك كله أن حركة السياسة في بلدنا محكومة بتوافقات بين إدارات الدولة ، واي محاولة لأي طرف بالخروج عنها ستكون غير محمودة النتائج .

صحيح ، مهمة الرئيس قيادة المجلس ، ورفع مستوى أدائه ، و استعادة ثقة الناس به ، لكن ثمة فرق كبير بين اختزال المهمة كلها بشخص الرئيس وحركته في المجال العام ، وبين توزيع المهمات على المجلس للقيام بها في إطار توجه نيابي عام ، مدروس ويحظى بالتوافق ، المسار الأول سيبقى معرضا للخطأ والانتقاد وتصفية الحسابات الشخصية والسياسية ، اما الثاني فيؤسس لحالة برلمانية تسجل للرئيس وللمجلس معا ، وتجعلهما أكثر قدرة على الإقناع والتأثير ، فقوة الرئيس من قوة المجلس ، والعكس قد لا يكون صحيحا.

أمام رئيس البرلمان امتحانات صعبة قادمة،  وربما فرص أيضا ، المؤكد أنه خرج خلال الأيام الماضية ،بعد اكثر من واقعة تعرض لها ، بما يلزم من دروس ،ربما تجاوزها بأقل الخسائر ، المهم أن يعرف أين سيضع أقدامه بالمستقبل ، وكيف يمكن أن يتجنب النيران الصديقه  وغير الصديقه ، ثم أن يتصرف بمنطق السياسة والحكمة معا ، لا بمنطق التجربة والخطا ، أو عدّ الاهداف ، وانتظار تصفيق الجمهور .