هذا الجدل والشك في عمّان

ماهر أبو طير

قال بحدة واضحة، عليهم أن يصلحوا مدينة عمّان، التي باتت خربة في كثير من بنيتها التحتية، قبل أن يعلنوا عن مدينة جديدة، تبعد عمان أربعين كيلو متراً، وهكذا مداخلة لأحدهم تؤشر على التجاذبات في هذه القصة.
قصص المدن الجديدة، تثير شهية المتابعين، من التأويلات السياسية التي تبالغ في سبب إنشاء مدينة جديدة، وصولا إلى التساؤلات حول جدوى إنشاء مدينة حكومية، أو إدارية، أو سكنية، والجدل له بداية وليس له نهاية، فالكل يعلن رأيه حتى لو لم يكن خبيرا في تخطيط المدن، وكلف الإنشاء، والجدوى في هذه الملفات.


لدى شعوب عربية طريقة مختلفة عنا، فالقرار يصدر، والتنفيذ يتم فورا، ضمن تصور محدد ومكتمل، ولا مكان للجدل ولا لكثرة الكلام، وهذا يفسر أن شعوبا تطورت بسرعة، لأنها تركت كل ملف لأهل الاختصاص، في ظل وجود تمويل مالي، وبنية مجتمع تحترم وتقبل مركزية القرار، ولا تفسد كل توجه بكثرة الجدل حوله وحواليه.


لكن هذا لا يمنع من إبداء الرأي، والمشهد يمتزج اليوم بين آراء ذات دوافع سياسية، وبعضها آراء اقتصادية وفنية متخصصة، وأحيانا من باب المناكفة، والتأكيد على استحالة نجاح أي شيء في هذه البلاد المحاطة بكل الهموم.
تنشر صحيفة “الغد” يوم أمس تقريرا مهما موثقا بالأرقام، عنوانه “المدينة الجديدة.. هل تكون جزيرة منعزلة؟”، والتقرير متوازن ويشير إلى أن المدينة التي قد يصل عدد سكانها إلى مليون نسمة، تحتاج إلى سبع سنوات حتى تكتمل، وهي كما هو معروف تقع شرق منطقة الموقر، بمساحة إجمالية مقدرة بعد الانتهاء منها بنحو 277 ألف دونم، وتبعد عن مطار الملكة علياء الدولي 33 كلم، وعن مدينة الزرقاء 26 كلم، وعن عمان 40 كيلومترا، وهي العاصمة التي يصل عدد سكانها اليوم إلى 4.642 مليون نسمة، يشكلون 42 % من إجمالي سكان المملكة والبالغ نحو 11 مليون نسمة، وتقترب المدينة من محافظات العاصمة، الزرقاء، اربد، المفرق، بما يعني أنها إذا نشأت حقا، سوف تستقطب عددا من سكان هذه المدن، اذا توفرت فعليا فرص العمل، والتعليم، والصحة، والبنى التحتية الجيدة، والمواصلات، وغير ذلك من شروط للحياة والاستدامة يعرفها كل واحد فينا.


الحكومة مقصرة بشكل واضح في أمرين، أولهما الدفاع عن المشروع وشرحه بشكل دقيق ومقنع للخبراء والمختصين قبل المواطنين، وثانيهما غياب الرؤية التفصيلية لكيفية التنفيذ لهكذا مدينة، في ظل ملفات سياسية واقتصادية وبيئية، وهذا الكلام يقال حتى لا نكون أمام ألعاب نارية، تنتهي بخروج الحكومة من الخدمة، ويأتي من بعدها ويضع كل المشروع في درج أي رئيس قادم، بسبب استحالة التنفيذ أو صعوبته، أو عدم جدواه، في ظل إقليم يتخلخل ليل نهار، واقتصادات تنام في حالة وتصحو في حالة ثانية مختلفة تماما.


الجدل حول المشروع لا يتوقف، من الاعتراض على موقع المدينة، وطرح مواقع بديلة قرب القطرانة الخط الصحراوي، مرورا بالغمز ممن قد يشتري أرضا في مواقع قريبة من المشروع ويستفيد لاحقا، مع معرفتنا أصلا أن الأرض في تلك المنطقة تمتلكها الدولة، وصولا إلى التساؤلات حول الهدف من حدوث إزاحة سكانية خارج المدن الكبرى المكتظة أصلا، بدلا من تطوير وتوسعة المناطق المجاورة للمدن على طريقة مدينة أبو نصير.


تمتد هذه الاعتراضات إلى جدوى إنشاء مدينة، في ظل مشاكل الخزينة المالية، وإذا ما كان الحل وجود مطورين ومستثمرين للمدينة، وقدرة الأردنيين المالية أصلا على شراء الشقق فيها، وإذا ما كان الضمان سيدخل طرفا، مع معرفتنا أن الضمان بات حلا يتيماً لأغلب مشاكل الأردن، برغم أن مال الضمان هو مال المشتركين فقط، وليس مال عموم الأردنيين، كما مال الخزينة، وإذا ما كنا سنغرق في ديون جديدة لإنشاء المدينة؟!.


على الحكومة أن تثبت أن الإعلان عن المدينة الجديدة، ليس سياسيا، ومن باب بث الآمال في صدور الناس، وهذا يعني المزيد من المكاشفة والشفافية، وإدراك معنى إنشاء مدينة جديدة، وبدون هذا سيتواصل الجدل بحق هذا المشروع، كما هي عادتنا التي تشكك بكل شيء.


المدينة الخيرّة، تلد ابنتها.. دعونا ننتظر علامات الحمل أولا أيّها القوم!.