شجرة المحبة.. وقفت شامخة رغم أنف الصخور

أحمد سلامة أبوهلالة

 

في هاتيك الغابة الوادعة ، اخضرت شجرة راسخة الجذور وازّينت بأوراقها الزاهية ، وقفت شامخة سامقة على ربوتها  رغم أنف الصخور ، تداعب أغصانها الغضة النسمات وتصافح أوراقها النضرة أشعة الشمس الذهبية كلما أشرق صباح ، تعاقبت عليها أسراب الطيور الوفيّة تبني أعشاشها آمنة هانئة حيث الخضرة و الظل والنسيم العليل ، ترفرف جذلى وتغرد بحبور على مدى العصور ، طيور متحابة متآلفة تفاخر بشجرتها كلّ الأطيار وتغليها عن كلّ الأشجار .

ذات غفلة من الطيور السعيدة وتحت جنح الظلام  ، تسللت بغاث من الطير وشرذمة من الغربان طمعا وحقدا وتعديا، وأخذت تزرع الفرقة بين الطيور المتآخية ، وتكسّر الأغصان القوية وتنهب الثمار الطرية ... دب الخلاف بين الطيور ..تخالفت ..تصايحت .. تسابت ..تعاركت ،  وادّعى كل منها ملكية الشجرة المنهوبة وأقسم على إقصاء شركائه في الشجرة و العيش .

 

لكن الطائر الوفي حزن على ضياع الشجرة و صراع الإخوة و أدرك بذكائه، التحركات المريبة و حجم المصيبة والنهاية العجيبة  .
فدعا الطيور إلى اجتماع عاجل يؤجّل فيه كلّ خلاف لتدارس الخطر العظيم و الضرر الجسيم  
هدى الله الطيور فاستجابت واجتمعت على غصن الشجرة لتدارس الأمر و معالجة الخطر . 

 

تحدث النسر : 
إن شجرتكم راسخة الجذور في التاريخ ، قوية الجذع لا يهزها الريح ، دائمة الخضرة معطاءة ،
الشجرة أم الجميع عاش على أغصانها آباؤنا والأجداد بكل محبة ووئام .

قال مالك الحزين : إن من يهجر شجرته سيعيش على هامش الأشجار مدحورا يعاني ذلة الغريب وألم الفراق .

 

رفع الهدهد جناحه طالبا الحديث :
لقد جئتكم من الغابة بنبأ يقين : إني وجدت شجرة ضخمة تعج بالثمار ،أحرقتها الطيور بالفتنة والخلاف حين لم تعش طيورها بمحبة وائتلاف .ووجدت شجرة برية جافة حولتها طيورها  بالحب والسلام إلى دوحة غناء يسودها الوئام .

 

وقف الصقر قائلا :
شجرتنا صمدت عبر التاريخ لم تهزها ريح صرصر عاتية ، بنيناها أعليناه بالعقل والتدبير  ، والعمل المخلص الدؤوب ، والقلب المحب الرؤوم  .

 

ثم نادى في كل الطيور خاطبا :
يا طيورنا
 الشجرة وطن
أرضه حرام 
وسماؤه حرام 
وماؤه يا طيورنا 
على عدوكم حرام 
حرام حرام حرام 

أعجبت الطيور  بكلامه الجميل ورأيه الأصيل ، تعانقت .. فرحت .. رقصت .. وانطلقت لأغصائها طردت المعتدين و محت آثارهم القبيحة و أخذت تبني أعشاشها  ، وترعى صغارها ، وتنعم بثمارها ،  وغرد الحسون على الغصن معلنا الحب والسلام في شجرة المحبة  والوئام .