الزيود تكتب: الأحزاب والنقابات: شراكة أم تنافس؟

 

دعاء الزيود 

النقابات المهنية هي أحد أعمدة المجتمع المدني، وأداة فعالة للتعبير عن مصالح أعضائها والدفاع عن حقوقهم. وعلى مدار العقود الماضية، لعبت النقابات المهنية في الأردن دورًا محوريًا في المشهد الوطني، حيث كانت بمثابة منبر لتبادل الأفكار والمطالب، وجسر يربط بين الحكومة والقطاعات المهنية المختلفة. ومع التطورات الأخيرة التي يشهدها العمل النقابي، أصبح من الواضح أن هناك تغييرات كبيرة تُرسم على الساحة.

لا يمكن إنكار أن النقابات المهنية كانت ولا تزال جزءًا لا يتجزأ من المشهد السياسي في الأردن. فقد شهدت هذه المؤسسات محاولات عديدة لتوجيه مسارها بما يخدم رؤية وطنية أوسع. ومع تصاعد النقاش حول دور الأحزاب السياسية في النقابات المهنية، تتجدد الأسئلة حول العلاقة بين العمل النقابي والعمل الحزبي: هل يمكن للأحزاب أن تضيف بعدًا جديدًا للنقابات أم أن ذلك قد يفتح المجال لتسييس العمل النقابي؟

ما يميز النقابات المهنية هو قدرتها على أن تكون مساحة جامعة، حيث تتلاقى فيها الأصوات المختلفة دون انحيازات مسبقة. ومع ذلك، فإن التحدي اليوم يكمن في الحفاظ على هذه الصفة الجامعة، وسط تصاعد النقاشات حول دور الأحزاب في الانتخابات النقابية المقبلة.

التداخل بين الأحزاب والنقابات المهنية ليس أمرًا جديدًا، لكنه يأخذ اليوم أبعادًا جديدة مع دخول أحزاب سياسية على خط الانتخابات النقابية. ويبدو أن هناك توجهًا نحو إعادة تشكيل العلاقة بين الجانبين، حيث يرى البعض أن دخول الأحزاب قد يعزز من قوة النقابات ويجعلها أكثر تنظيمًا، بينما يحذر آخرون من خطر تسييس النقابات وتحويلها إلى ساحات للصراعات السياسية، بدلاً من التركيز على القضايا المهنية.

التجربة الحالية تشير إلى أن هناك محاولات جادة لتقديم نموذج جديد في العمل النقابي، حيث يتم التركيز على القضايا الملحة التي تهم العاملين في القطاعات المختلفة، من تطوير المهنة ورفع الكفاءات إلى تحسين ظروف العمل وزيادة التنسيق مع الجهات الرسمية.

المشهد الحالي للنقابات المهنية في الأردن يفرض تحديات كبيرة، لكنه يفتح أيضًا آفاقًا واسعة للتطوير. فالانتخابات المقبلة تمثل فرصة لإعادة صياغة دور النقابات وتحديد أولوياتها بما يتماشى مع المتغيرات المحلية والإقليمية.

إن النقابات المهنية، بقدرتها على جمع شمل المهنيين والدفاع عن حقوقهم، تُعتبر أحد أركان الاستقرار المجتمعي. ولهذا، فإن أي خطوة نحو تعزيز دورها أو تطوير آليات عملها يجب أن تكون مدروسة بعناية، بعيدًا عن التجاذبات السياسية أو المصالح الضيقة.

العمل النقابي في الأردن يقف على مفترق طرق، حيث تتداخل المصالح المهنية مع الأبعاد السياسية والاجتماعية. وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، يبقى الأمل في أن تتمكن النقابات من الحفاظ على استقلاليتها ودورها الريادي، وأن تسهم في تحقيق تطلعات أعضائها بما ينعكس إيجابًا على المجتمع ككل.

 

المستقبل يحمل الكثير من التحديات، لكنه يحمل أيضًا فرصًا للنقابات المهنية لإثبات دورها المحوري في بناء أردن أكثر قوة وتماسكًا