بعد قطيعة لسنوات.. عودة محتملة للعلاقات الدبلوماسية بين إيران والمغرب

 

بعد سنوات من القطيعة، تجدد الحديث عن عودة محتملة للعلاقات الدبلوماسية بين إيران والمغرب، وسط تقلب تاريخي في العلاقات بين الدولتين الإسلاميتين.

وأعربت وزارة الخارجية الإيرانية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن ترحيب طهران بتحسين علاقاتها مع دول إسلامية، ومن بينها المغرب، الذي أشارت إلى أن تاريخ علاقتها معه "واضح"، بحسب ما أوردت وكالة مهر للأنباء الإيرانية.

في حين، تحدثت وسائل إعلام مغربية عن إمكانية عودة العلاقات بين الرباط وطهران.

وفي الأول من مايو/ أيار 2018، قطع المغرب علاقاته مع إيران، بعد اتهام حزب الله اللبناني، المدعوم من طهران، بإرسال أسلحة إلى الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة باسم جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية، المنطقة المتنازع عليها.

لكن طهران وحزب الله والبوليساريو نفوا تلك الاتهامات حينها.
واعتبر المحلل السياسي المغربي، أحمد بوز، في حديثه لبي بي سي، أن العلاقات بين طهران والرباط "متذبذبة" تاريخياً، وأضاف أن هذه العلاقة "تعيش فترات توتر وفترات تعايش".

"إذا حصل تعايش مستقبلي، فهو ليس جديداً"، وفق بوز، الذي قال أيضاً إن الانفراج الذي يجري الحديث عنه "عام ونسبي" ومشابه لما حدث في العلاقات الإيرانية الخليجية.

وأعادت إيران علاقتها مع السعودية، في مارس/آذار 2023، بينما أعلنت الإمارات عودة سفيرها في إيران إلى طهران في عام 2022، بعد أكثر من 6 سنوات من تخفيض الدولة الخليجية علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية.

ورأى بوز أن "توتر" العلاقات المغربية الإيرانية "محكوم بطبيعة العلاقة الناظمة بين دول الخليج وإيران".

وقُطعت العلاقات بين المغرب وإيران مراراً منذ الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979 كان آخرها قبل 6 سنوات.

بيد أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، قال إن الجمهورية الإسلامية "ترحب دائما بتحسين وتوسيع العلاقات مع دول الجوار ودول المنطقة والدول الإسلامية"، مؤكداً: "تاريخ علاقاتنا مع المغرب واضح".

وقال رداً على سؤال حول أنباء متداولة بشأن لقاء مندوب أمني إيراني مع مسؤولين في المغرب في سیاق استئناف العلاقات بين البلدين، إن "إيران رحبت دائما بتطوير العلاقات مع الدول الجارة والإسلامية"، مضيفاً أنه "من الواضح أننا نسير على نفس السياسة التي اتبعناها منذ فترة طويلة وسنستمر في الحكومة الرابعة عشرة في تحسين العلاقات مع الدول على أساس مبادئ الكرامة والحكمة والمنفعة، مع مراعاة المصالح الوطنية لبلادنا ومع مراعاة المصالح في المنطقة والعالم الإسلامي".

ويرى المختص في الشأن الإيراني، أحمد فاروق، أن إيران "تسعى إلى العودة من جديد لتهدئة العلاقات مع الدول المختلفة خاصة تلك التي كان لها مشاكل معها وعلى رأسها المغرب"، مضيفاً في حديثه لبي بي سي، أن إيران "ستحاول إبعاد الملفات الخلافية في علاقتها مع الدول بهدف محاولة إعادة العلاقات من جديد"، وفيما يخص العلاقات مع المغرب فإن "البوليساريو مشكلة معقدة، وبالتالي ستتجنب ظهران الحديث بشأنها في محاولة للوصول إلى علاقات طبيعية مع الرباط".

فيما قال بوز إن المغرب "ربما يطرح" خلال مفاوضات استئناف العلاقة شرطاً يتضمن "اعتراف إيران بالسيادة المغربية" على الصحراء الغربية، كما حدث مع فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، مضيفاً أن السياسة الخارجية المغربية "محكومة بهذه القضية الحساسة"، مشيراً إلى أن الرباط لها "نظارة واحدة ترى من خلالها علاقاتها الخارجية وهي نظارة الصحراء".

ولم يستبعد بوز تحركاً إيرانياً على هذا المستوى.

واعترفت الولايات المتحدة في نهاية 2020 بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية في إطار اتفاق وافق المغرب بموجبه على تطبيع العلاقات مع إسرائيل العدو اللدود لإيران، وذلك إبان الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب المنتخب حديثا لولاية ثانية.

ورأى بوز أن إعادة العلاقات الإيرانية المغربية مرتبط بعلاقة طهران مع الرئيس الأمريكي المنتخب، موضحا أن "إيران تريد الترويج بأن لها دوراً ويمكن أن تلعبه، ويمكن أن تساعد في تهدئة الأوضاع وفي الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لوزيري خارجية إيران عباس عراقجي والمغرب ناصر بوريطة وهما يجلسان بجانب بعضمها البعض خلال المنتدى العالمي العاشر لتحالف الحضارات في البرتغال خلال الشهر الماضي.

وشهدت العلاقات المغربية الإيرانية فترات توتر بعد الثورة التي أسقطت حكم الشاه سنة 1979، الذي كان صديقاً لملك المغرب الراحل الحسن الثاني.

لم يتردد العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني بإعلان معارضته لقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعرض استضافة الشاه الراحل محمد رضا بهلوي الذي زار المملكة لفترة قصيرة.

ولكن القطيعة الرسمية بين البلدين كانت عام 1980، حين أعلن المغرب قطع علاقاته مع الجمهورية الإسلامية بسبب اعترافها بالجمهورية العربية الصحراوية التي أعلنت البوليساريو قيامها في الجزائر عام 1976، بينما يعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءاً لا يتجزأ من أراضيه.

وعادت علاقات البلدين تدريجياً نحو الهدوء مع مطلع العقد الأخير من القرن الماضي بدءاً بتعيين قائمين بالأعمال في الرباط وطهران سنة 1991، ليرتفع التمثيل الدبلوماسي في العاصمتين إلى مستوى السفراء سنة 1993، واستمر هذا التحسن نحو عقدين كاملين، وأصبحت إيران من المشترين الرئيسيين للفوسفات المغربي.

وفي ظل الاضطرابات الإقليمية، عاد التوتر فجأة للعلاقات المغربية الإيرانية حين أعلنت الرباط في مارس/آذار 2009 قطع علاقاتها مع طهران، وذلك على خلفية دعم المغرب للبحرين في الأزمة التي اندلعت بين المنامة وطهران في ذلك العام. وأخذ هذا التوتر أبعاداً أكبر في المغرب حيث اتهمت السلطات المغربية البعثة الدبلوماسية الإيرانية بـ"نشر التشيع"، وأغلقت مدرسة عراقية بالرباط لاتهام القائمين عليها بالتهمة نفسها.

ودامت هذه القطيعة الثانية من نوعها في تاريخ البلدين حتى سنة 2014، حين عاد التمثيل الى مستوى القائمين بالأعمال في الرباط وطهران، وإلى مستوى السفراء عام 2016.

لكن بعد عامين، قطعت الرباط العلاقات مع طهران من جديد، على خلفية اتهام حزب الله اللبناني بتسليح وتدريب عناصر من البوليساريو، وقال وزير الخارجية المغربي بوريطة إن بلاده "لا يمكن إلا أن يكون حازماً عندما يتعلق الأمر بوحدته الترابية وأمنه".

لكن طهران نفت ذلك، فيما رفض مسؤول في جبهة بوليساريو رفضاً قاطعاً اتهامات الرباط.

والصحراء الغربية، هي أحد أطول النزاعات في العالم، وهي منطقة شاسعة تبلغ مساحتها 266 ألف كلم مربع مع واجهة على المحيط الأطلسي يبلغ طولها 1100 كلم، وتعد المياه المقابلة له من المناطق الغنية بالأسماك، وكانت خاضعة للاستعمار الإسباني، وهي المنطقة الوحيدة في القارة الإفريقية التي لم تتم تسوية وضعها حتى الآن.

وخاض المغرب وجبهة بوليساريو حرباً للسيطرة على الصحراء بين 1975 و1991، توقفت بموجب هدنة ونشرت بعثة تابعة للأمم المتحدة للإشراف على تطبيقها.

ووقعت إسبانيا قبل انسحابها من المنطقة، اتفاقية مدريد مع كل من المغرب وموريتانيا، والتي اقتسم بموجبها البلدان الجاران الصحراء، لكن الصحراويين المسلحين الذين أسسوا جبهة البوليساريو، رفضوا الاتفاقية وواصلوا مطالبتهم بالانفصال.

وصعّدت الجبهة من وتيرة عملياتها وقامت بالتحريض على المظاهرات المطالبة بالاستقلال، بينما اتجه المغرب وموريتانيا إلى محكمة العدل الدولية.

وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 1975 أعلن المغرب تنظيمه "المسيرة الخضراء" باتجاه منطقة الصحراء، وفي يناير/كانون الثاني 1976 أُعلن عن قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" بدعم من الجزائر.

وتعتبر أزمة الصحراء الغربية واحدة من أطول الصراعات السياسية والإنسانية في العالم، إذ لجأ خلال هذه الحرب الكثير من الصحراويين إلى الجزائر حيث يقيمون في مخيمات منذ عقود.

ويسيطر المغرب على 80 في المئة من الصحراء في حين تسيطر البوليساريو على 20 في المئة يفصل بينهما جدار ومنطقة عازلة تنتشر فيها قوات أممية.

ويقترح المغرب منح البوليساريو حكماً ذاتياً تحت سيادته، في حين تطالب الجبهة، المدعومة من الجزائر، بأن ينظّم استفتاء لتقرير المصير.

ولم يعقد الجانبان أي مفاوضات مباشرة لحل الأزمة منذ عام 2012.