عن لبنان

{title}
أخبار الأردن -

 

عبد الهادي راجي المجالي

.... اغتالت إسرائيل (حسن نصر الله) الأمين العام لحزب الله ... وقد أمضيت يومي في قراءة ما يُكتب على محطة إكس، والفيس بوك، ومتابعة الأخبار، وقراءة ما يُكتب في المواقع الإخبارية... وسؤالي أردنياً: ماذا يعني لنا الاغتيال؟ للأسف، لم يُجب أحد على السؤال. لبنان لا يُختزل بشخص، والمقاومة هي الأخرى لا تُختزل بشخص .... (أرنست تشي جيفارا) .. اغتالته (السي آي إيه) بطريقة مؤلمة، ولكن كوبا استمرت .. وظلت عصية على الانكسار بعده مدة (40) عاماً. المشروع لا يرتبط بشخص أبداً بل يستمر .. مات ستالين وقبله لينين وظلت الشيوعية، مات ميشيل عفلق وما زال البعث موجوداً. عبد الناصر هو الآخر مات وما زال حمدين صباحي ومصطفى بكري يتحدثان عنه كل يوم ويحملان ذات المبادئ والأفكار ...

مشكلتنا في التعاطي مع ظاهرة غياب نصر الله، تطغى عليها (الشخصنة) أكثر من قراءة دقيقة للواقع .... ما يُخيفني أكثر من الاغتيال هو محاولة إيجاد الانقسام في المجتمع اللبناني، ومحاولة تأليب السنة على الشيعة، أو محاولات اختطاف (الدروز) من المشهد، أو محاولات أخذ (المارونية) لزاوية أخرى ... أو محاولات إنتاج حرب أهلية جديدة بمواصفات أقسى من الأولى وأكثر دموية.

أوجعني حد البكاء أن تنتشر بعض المقاطع للنازحين من الجنوب، وهم يُطردون من مدن ذات أغلبية سنية. أوجعتني الكتابات التي تمارس التشفي، وقام بعض المدن العربية بتوزيع الحلوى بعد اغتياله. وما أوجعني أكثر أن إسرائيل نجحت في اللعب على هذا الوتر، وهي تريد تطبيقه عملياً عبر اجتياح بري للبنان، وعبر استقطاب فئات واستعداء أخرى.

كلنا نتذكر سعد حداد قائد جيش لبنان الجنوبي (العميل الإسرائيلي) الذي أُنتج بعد اجتياحهم لبيروت، ثم تخلوا عنه بعد انسحابهم من الجنوب. كلنا نتذكر الأحذية التي سقطت على رؤوس أتباع هذا الجيش ورفض المجتمع لهم، وطرد إسرائيل للعائلات التي حاولت الهروب لتل أبيب. كلنا نتذكر (صبرا وشاتيلا) وتورط الكتائب فيها، واتهام كريم بقر دوني وبشير الجميل بالتواصل مع إسرائيل والتواطؤ على القوى الوطنية.

هم لا يريدون اغتيال الشخص، هم يريدون اغتيال فكرة الوحدة في لبنان، واغتيال السلم الأهلي، وانسجام المجتمع. هم يريدون تفتيت لبنان، بحيث تصبح المختارة دولة، وبيروت الغربية دولة، وطرابلس دولة سلفية ... ويريدون تقديم النموذج للعالم العربي ... من أجل مزيد من الرعب والتخويف.

وظيفتنا الآن هي التركيز على السلم الأهلي في لبنان، وظيفتنا هي أن ندعم صمود كل المدن وكل الطوائف. وظيفتنا هي أن لا نختصر لبنان في شخص أو طائفة. وظيفتنا هي أن نفضح ما تحاول إسرائيل فعله.

أنا أعتقد أنهم مهدوا الأرضية من أجل إنتاج انقسام طائفي وإنتاج دويلات داخل الدولة. وربما في اجتياحهم البري سيقومون بإعادة إنتاج جيش لبنان الجنوبي. ربما سينثرون الدولارات هنا وهناك، ربما سيقومون بتسليح فئة وسحب السلاح من فئة ... هذه مخططاتهم، ولكن السؤال: هل سينجحون؟

الوعي الموجود في لبنان الآن هو أكبر من الوعي الذي كان موجوداً قبل (40) عاماً ... والجراح ليست جديدة عليه، هو الوطن الوحيد الذي صارت الجراح جزءاً من مساره وحياته، ولكني أجزم أن المؤامرة ستسقط ... حين لا تجد لها بعض الحواضن ... وهي حتماً ستسقط، حين يدرك اللبناني في لحظة ... أن الدرزي هو درزي بالطائفة، ولكنه لبناني الوجه والقلب والروح، حين يدرك أن الشيعي هو الذي لا يعتبر حارة حريك دولة مفصولة أو منطقة معزولة عن بيروت، بل هي الحارة التي تصدح فيروز فيها بالأغنيات، الحارة التي لا تسمع فيها سوى صدى اللغة اللبنانية الفصحى، هي الحارة التي يولد فيها الحب على حواف الشبابيك وبين زوايا الأرصفة. وحين يدرك الماروني في لحظة أن لبنان، بالرغم من صغر حجمه، إلا أنه أكبر من فرنسا، فصوت فيروز وحدها كان أعلى من صوت الدول.

لا أحب الشماتة أبداً وأمقتها، وأظن أن لبنان حتماً سيتجاوز المحنة وينتصر ... قدره أن ينتصر في نهاية كل منعطف.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير