تنظيم الاقتصاد الموازي .. وجهة نظر
د. مالك القصاص
الاقتصاد غير المنظّم (أو الاقتصاد غير الرسمي او الاقتصاد الموازي) هو ظاهرة معقدة ومتعددة الجوانب تضم مجموعة متنوعة من الأنشطة والمعاملات والأفراد، تعمل في خارج الأعمال المنظّمة ويشمل كل الأنشطة الاقتصادية التي لا تخضع للضوابط القانونية أو التنظيمية، مثل الأعمال الصغيرة غير المسجلة، والعمالة غير الرسمية، والتجارة غير الرسمية.
يعد تنظيم الاقتصاد غير المنظم من التحديات الرئيسية التي تواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبالرغم من ان الاقتصاد غير المنظّم يمكن ان يكون آلية تكيف نحو تخفيف الفقر عندما لا ينتج الاقتصاد وظائف منظمة كافية، فإن مستويات القطاع غير المنظم العالية تعرض الاقتصادات للتهديدات على المدى الطويل، مما يجعلها غير امنه وغير قادرة على الصمود أمام الأزمات مثل الكوارث الطبيعية أو الأزمات الاقتصادية الكبرى.
يساهم تنظيم الاقتصاد في تحسين ظروف العمل وحقوق العمال وضمان بيئة عمل آمنة، حيث ان العاملون في القطاع غير المنظم غالبًا ما يفتقرون إلى الحماية الاجتماعية أو الحقوق العمالية. كما ويساعد التنظيم على تحويل الأنشطة غير الرسمية إلى فرص عمل رسمية ودائمة، مما يساهم في خفض مستويات الفقر والبطالة. وبالإضافة الى ذلك، يساهم التنظيم في تعزيز الإيرادات الحكومية والتقليل من التهرب الضريبي من خلال توسيع القاعدة الضريبية.
في ذات السياق، تعد الضرائب المرتفعة من اهم أسباب انتشار الاقتصاد غير المنظم، حيث يلجا بعض الشركات والأفراد الى تجنب الضرائب المرتفعة عبر البقاء خارج النظام الرسمي. كما ويوفر القطاع غير المنظم مرونة أكبر لأصحاب الأعمال والعمال، ولكن على حساب الاستقرار والحقوق العمالية.
وبالإضافة الى ذلك، يعتبر التعقيد البيروقراطي من الأسباب الرئيسية في انتشار الاقتصاد غير المنظم، حيث ان القوانين والإجراءات المعقدة لتسجيل الشركات والامتثال للأنظمة تجعل الكثيرين يفضلون البقاء في القطاع غير الرسمي. كما ان التفاوت الإقليمي في التنمية يساعد في انتشار الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة بشكل أكبر خاصة في المناطق الفقيرة، حيث يكون الاقتصاد الرسمي ضعيفاً.
على الصعيد الإيطالي، قامت الحكومات الإيطالية بعمل العديد من الاستراتيجيات لتنظيم الاقتصاد غير المنظم لأهميته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فقد قامت بعمل العديد من الإصلاحات الضريبية لتبسيط النظام الضريبي وتقديم حوافز للشركات الصغيرة والمتوسطة للانضمام إلى الاقتصاد الرسمي، ولتخفيض الضرائب للشركات الصغيرة لتحفيز التسجيل والالتزام، مما ساعد في تقليل الحافز للبقاء خارج النظام الرسمي، حيث أصبحت التكلفة الضريبية أكثر اعتدالاً للشركات الصغيرة.
في ذات النطاق، قامت إيطاليا بتشديد العقوبات على المخالفين وزيادة الاعتماد على الحلول التكنولوجية مثل الفواتير الإلكترونية ونظم تتبع المعاملات المالية الرقمية لتحديد الأنشطة غير المبلغ عنها ومنع التهرب الضريبي. وبالإضافة الى إصلاحات سوق العمل، حيث قامت بإدخال إصلاحات في قوانين العمل والضمان الاجتماعي لتوفير المزيد من المرونة في التوظيف والتسريح، وهو ما ساعد في تقليل الاعتماد على العمالة غير المنظمة، مما ساعد على جذب المزيد من العمال إلى سوق العمل الرسمي، حيث أصبحت القوانين أكثر تناسباً مع احتياجات الشركات والعمال.
كما وقامت إيطاليا بعمل الكثير من حملات التوعية لتثقيف المواطنين حول فوائد العمل في الاقتصاد الرسمي وأهمية التسجيل الضريبي والالتزام بالقوانين، مما ساعد على تغيير الثقافة المجتمعية تجاه الاقتصاد غير المنظم، حيث بدأ المزيد من الأفراد يرون فوائد الامتثال القانوني والضريبي.
أخيرا وكعادتي لابد ان اتناول الموضوع من زاويتي الأردنية حيث يتطرق الى ذهني مشكلة الاقتصاد والتنمية الاقتصادية في الأردن، واسأل نفسي: هل يمكن عمل استراتيجية متكاملة لتنظيم الاقتصاد غير المنظم في الأردن، مما يساهم في التنمية وتحفيز الاقتصاد المحلي، مع الاخذ بعين الاعتبار الاستفادة من خبرات البلدان الاخرى؟ اليوم، نحن بأمس الحاجة إلى استراتيجية متكاملة لتنظيم القطاع الخاص خصوصا في ظل انتهاء الدولة الريعية والتوجه الى التقليل من وظائف القطاع العام، ويتطلب ذلك خطة متكاملة تشمل تبسيط الإجراءات والتقليل من البيروقراطية المفرطة، وتقديم الحوافز، وعمل اصلاحات ضريبية، وتحسين الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، وتحسين قوانين حماية العمال وحقوقهم، وبالإضافة الى حملات التوعية للمواطنين. من خلال تبني هذه السياسات، يمكن للأردن تحسين إنتاجية الاقتصاد وزيادة الإيرادات الحكومية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.