سفر_السلام
إبراهيم غرايبة
منذ ظننت أنني تخليت عن قيمة البقاء حيا لم أجد معنى آخر للحياة أو غاية أسعى إليها. أكملت دراسة الثانوية، وذهبت إلى الجامعة لدراسة العلوم، ثم حولت إلى كلية الآداب ودرست المكتبات في سياق أقرب إلى المصادفة والانسياب هكذا فإنني منذ أربعة وأربعين عاما عندما بدأت أعتمد على نفسي من المنحة الدراسية ثم العمل بعد التخرج من الجامعة لم أكن سوى عامل مياومة يقول ما يعجب الناس ليبقى على قيد الحياة.
كنت أظن أن الجماعة التي انتميت إليها خمسة وعشرين عاما مسؤولة عن فقداني الإدراك الحقيقي لمعنى الوجود والحياة، وغياب الأهداف النبيلة والحقيقية التي يمكن أن أسعى إليها. لكن أظن وإن كانت الجماعة فاقمت الأزمة وألحقت ضررا كبيرا بكل شيء جميل في حياتي وفي تشكيل الذات وتصور الحياة والوجود، ثم خلفت في نفسي قدرا كبيرا من المرارة والغضب عندما تسلطت عليها جماعات من المتسولين والزعران، وعصفت بكل ما يمكن اعتباره خيرا وفائدة فيها؛ أن التيه وغياب البوصلة في الحياة مرده إلى فقداننا أسلوب حياتنا المتراكم ومعنى حياتنا.
لقد تعرضنا للتهميش والانتقام على نحو متراكم منذ مئات السنين. ، ثم واجهنا مصيرنا بلا رصيد من التماسك الاجتماعي والمعرفة والمهارات التي تؤهلنا للخوض في الحياة الجديدة. كنا نحسب أننا بالتعليم نخرج من التهميش والعزلة، ونتخلص من الهشاشة، لكنا تحولنا إلى أرواح تائهة وخائفة، لا تعرف طريقها، ولا تملك ثراء روحيا واجتماعيا ومعرفيا يمكنها من مواجهة المجهول.
كان يفترض أن تمنحنا المدارس معرفة كافية العلوم واللغات ومهارات حياتية وإبداعية واجتماعية تؤهلنا لمشاركة اقتصادية واجتماعية حقيقية وفاعلة، لكنها لم تعطنا من ذلك سوى قدر ضئيل مشوه، وسلبتنا الكرامة والبداهة التي تقود لتحسين حياتنا ووجودنا، وتمنحنا المعنى والجدوى. لم تكن المدارس والجامعات سوى أداة اوليغارشية لتنظيم الناس وإعدادهم وضبطهم وتهيئتهم لمصلحتها، وليس لمصلحة المجتمعات. في أقل الأحوال سوءا؛ تجاهلت التنشئة الاجتماعية والتعليمية الفرد، ولم تنظر إليه سوى عضو في المجتمعات والمؤسسات القائمة؛ يجب أن يكون فاعلا في غاياتها، وليس له قيمة أو أهمية سوى انتمائه ومشاركته في السياقات الاجتماعية والمهنية المعدة. لم يكن له حق في تعلم وعمل ما يريد أن يكون عليه إلا إذا كان ذلك متفقا مع أهداف وسياسات الدولة والمجتمع. تجاهلت المؤسسات المهيمنة في بلادنا ومجتمعاتنا مصادر التكوين والتفكير الحقيقية والأساسية التي تشكل الأفراد والأمم، وتنشئ أفكارها ومعتقداتها وأعمالها وغاياتها، ورؤيتها لذاتها والكون والحياة؛ وهي ببداهة وبساطة: الذات متفردة ومستقلة في استدلالها على الحق والخير والجمال، والفنون والآداب والفلسفة بما هي امتداد السماء في الإنسان تلهمه ما يريد وما يجب فعله ومعرفته أو تجنبه، والعالم (الطبيعة والكون) بما هو كتاب الله ووحيه المستدل به على الكمال والمثال.
اليوم في مرحلة الفشل واللايقين التي نعيشها؛ نحتاج أن نعيد النظر من جديد لنمكن الناس جميعا بلا استثناء من امتلاك أسباب الإدراك السليم؛ التعليم الكفء المستمد من أساسيات العلم والحياة، والصحة والغذاء