اللحظة الأردنية والعنوان الخاطئ لتصدير الأزمة الإسرائيلية
سامح المحاريق
بعد استنفاد بنك الأهداف المحتمل في غزة نتيجة الدمار الهائل والفشل في إعلان نصر ذي قيمة أو معنى سياسي، تبحث إسرائيل عن مخرج لتصدير مأزقها، ويبدو أن التحرش المتبادل مع إيران وصل إلى طريق مغلق نتيجة مجموعة من الظروف الإقليمية والعالمية التي أدت إلى حجب الضوء الأخضر عن بنيامين نتنياهو وفريقه اليميني المتطرف.
استغل حزب الله الموقف المعقد، وحالة عدم الاستقرار ليوجه ضربة أتت عنوانًا للرد على مقتل القيادي فؤاد شكر، وتمكنت إسرائيل من تحييد الأثر السياسي والاستراتيجي إعلاميًا وميدانيًا، فخرجت من غير خسائر بشرية لتؤجل الملف اللبناني إلى وقت لاحق، وتتجنب الحسابات الخاصة بالحوثيين وباب المندب وحلفاء الولايات المتحدة في الخليج، واحتمالات تعمق الانقلاب الميداني على الساحة الروسية – الأوكرانية.
يسود اعتقاد في العالم أن الأوضاع هادئة نسبيًا في الضفة الغربية، وهذه مسألة غير صحيحة، فوتيرة الاعتداءات واحصاءات الشهداء والجرحى والأسرى تصاعدت بصورة مقلقة حتى من قبل الحرب على غزة، ولكن الجريمة الصارخة في غزة سحبت الأوضاع من التوتر في الضفة الغربية، وهو ما حذر الأردن منه منذ فترة طويلة مبديًا تحفظات جوهرية على السلوك (الإسرائيلي) الذي يقوض عمليًا اتفاقية السلام القائمة، ويبدد أي فرصة من أجل الوصول إلى تسوية دائمة من شأنها أن تمنح المنطقة استقرارًا تحتاجه في ظل الظروف العالمية الحافلة بالتحديات الكبرى.
تجتاح إسرائيل مدن شمال الضفة الغربية بضراوة لم تحدث منذ أكثر من عشرين سنة، وتعيد إلى الأذهان مجزرتها الدموية في مخيم جنين، ولا يظهر أن إسرائيل تكتفي بتحقيق أهداف ذات طابع ميداني وتكتيكي، بل وتتوسع مخططاتها إلى تهديد الفلسطينيين في الضفة الغربية بالأطياف الثقيلة لحربها على غزة، ولتحقيق ذلك، تحاصر المستشفيات، وتفتح أبوابًا لاحتمالات كثيرة مثل هجمات للمستوطنين على القرى الفلسطينية تستدعي حالة من الاشتباك تبرر تصعيدًا تنتظره إسرائيل.
الوضع في القدس يندفع إلى الحافة كذلك، والمستوطنون بقيادة بن غفير الذي يبدو ملكًا قادمًا من الأساطير التاريخية يتجهزون إلى أعمال استفزازية وغير مسبوقة، ويبدو أن نتنياهو المتشبث بعامل الوقت والمدمن على استهلاكه لتأخير لحظة الحساب يترك القرار لدى الفريق المتطرف في حكومته، خاصةً، وهو يرى الحلفاء الآخرين من الوسط ينفضون من حوله، ويستمر اليسار الإسرائيلي في حالة العجز المقيمة التي يعايشها منذ سنوات مجترًا محطات الفشل والتهيب المتتالية التي تتواصل منذ اغتيال اسحق رابين في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
الحسابات الإسرائيلية عشوائية بالكامل، وأكثر من فريق داخل ما يتبقى من الدولة (العميقة) يحذر من مصائر توراتية لمشروع الدولة، بمعنى الانهيار من الداخل، والعشوائية تقود إلى ضربة مباشرة وكارثية تخرج بالضفة الغربية من مرحلة الجذب والشد إلى تهشيم العظام، في ظل رهان على أنها الجبهة الأكثر أمنا والأقل تكلفة، ولكن ذلك لا يبدو صحيحًا لأسباب كثيرة لأن ما يمكن وصفه بالحصاد القادم لسنوات من السيطرة الأمنية ليس صحيحًا، ففي الضفة الغربية لا توجد مرجعية للتنظيمات الفلسطينية يمكنها أن تدفعها لتفاوض شامل ومنضبط كما يحدث في غزة، والرهان على حيادية قوات الأمن الفلسطينية ليس صحيحًا، وتوجد شواهد كثيرة دحضته في السنوات الأخيرة، ولا يوجد غلاف أمني حقيقي حول المستوطنات الإسرائيلية.
والافتراض الأخطر من ذلك كله، أن الأردن سيتخذ موقفًا سلبيًا في حالة التوسع في الاعتداءات والتوجه إلى تفريغ سكاني يدفع بالفلسطينيين إلى الحدود الأردنية لخلق أزمة داخل الأردن، ومنها، الموقع الأخلاقي للقيادة الأردنية، وعقيدة الجيش والشعب في الأردن، والافتراض الأساسي لإسرائيل أن الأردن لن يستطيع أن يغلق حدوده في حالة تفاعل المجازر في المدن والقرى الفلسطينية، وهو الافتراض الخاطئ جوهريًا، لأن الأردن يمكنه أن يقدم الحماية والدعم للفلسطينيين في الداخل وفي مناطق واسعة من الضفة نفسها، وخارج أطر الاشتباك القائمة حاليًا، والتي تسمح للأردن وسمحت له بأن يشكل الشريان الطبيعي لدعم الضفة، وكذلك قطاع غزة.