الإنتخابات النيابية القادمة 2024 ... أحسنوا الإختيار .
بقلم / احمد عبدالفتاح الكايد ابو هزيم .
جهات رسمية وشعبية تنشط هذه الأيام لحث المواطنين على ممارسة حقهم الدستوري " يوم العاشر من أيلول " في إنتخاب ممثلي دوائرهم المحلية ، والدائرة الوطنية القائمة على التمثيل الحزبي ، ويُعتبر هذا الإستحقاق فصل جديد في مسيرة الحياة النيابية التي قارب عمرها على المائة عام ، منذ إنتخاب أول مجلس تشريعي قبل الإستقلال في العام 1929م من القرن الماضي ، إبان عهد إمارة شرق الأردن وما تلاها من مجالس نيابية في عهد الممالك الأربعة وحتى اليوم .
عشرات من قوانين الإنتخاب وما طرأ عليها من تعديلات دخلت حقل التجارب في دوائر صنع القرار منذ إنشاء الدولة وحتى اليوم ، لم تستطع بحسب مراقبين من إنتاج مجلس نيابي يحوز على رضى كافة أطراف المعادلة السياسية و الحواضن الشعبية ، وفي كل فترة من عهد تلك المجالس النيابية المتعاقبة تصتدم الأغلبية الصامتة من المواطنين بواقع مغاير لما طمحت له من تغيير في بنية حياتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، بسبب تغول السلطة التنفيذية في كثير من الأحيان ، وضعف الأداء النيابي الجمعي ، وتغليب المصالح الشخصية لدى بعض النواب .
تعاطي النواب المنتخبين " افتراضاً " من قبل الناخبين مع القضايا الأساسية التي تهمهم ، لم يكن بحجم الآمال التي عُقدت عليهم ، بالعكس كان هناك تناغم " أحياناً " بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في بعض القضايا المفصلية ، عكس ما تشتهي وترغب الأغلبية الصامتة التي أعياها الصبر من طول إنتظار القادم الأجمل ، والخروج الآمن من عنق الزجاجة التي ادخلهم في جوفها السياسيين الذين تولوا المسؤولية من كلا التيارات ، محافظين ، تكنوقراط ، ليبراليين ، يمين ويسار ، وكلما جاء منهم تيار لعن الآخر وقال فيهم ما لم يقل مالك في الخمر ، لتستمر مسيرة الخاسر الأكبر من اختلافاتهم و توافقاتهم السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، الوطن والمواطن والأجيال القادمة .
في آخر إنتخابات برلمانية جرت لدورتين عام 2016 و 2020 ، كانت نسب التصويت في كافة محافظات المملكة ما يقارب من 37./. و 30./. على التوالي ، وهي نسب متدنية " مبررة " تعكس مستوى الإحباط وعدم ثقة الناخب في المشاركة في العملية الإنتخابية نتيجة الأداء " الضعيف " للمجالس النيابية السابقة وبعض النواب ، ولولا التصويت الإجتماعي من العشيرة وذوي القربى والأصدقاء ، وصوت المال الأسود مدفوع الثمن من بعض مرشحي " البزنس " وضعاف النفوس من الناخبين ، لكانت نسب التصويت في " الباي باي " .
نسب مشاركة شعبية متدنية دقت ناقوس الخطر لدى الحكومة ، وقرعت أجراس العودة للحقيقة لدى أقطاب الدولة العميقة ، فكان لا بد من النزول عن الشجرة و مغادرة مربع التصلب في الرأي وإنهاء تفرد احتكار إدارة البلاد والعباد من قبل حكومات متعاقبة أثبت الواقع فشلها في إدارة بعض الملفات المهمة ، في ظل وجود مجالس نيابية ضعيفة لا تقوى على تصحيح مسارها ، وما نتج عن هذه الممارسة الطويلة من تغول السلطة التنفيذية المتمثل بالحكومات المتعاقبة في صناعة القرار وفرض ما تريد على حساب التمثيل الشعبي ، وبالطبع قادت هذه الثنائية الغير متوازنة إلى مزيد من التراجع في بعض المجالات التي أثرت سلباً على حياة المواطن .
الحكومة الحالية تُراهن على الطبقة الوسطى في رفع مستوى المشاركة الشعبية في الإنتخابات النيابية القادمة ، للدفاع عن مصالحها كما يقول أحد وزرائها !!! ، وهنا تقفز عدة أسئلة " من لون واحد " برسم الحيرة في ذهن أي مواطن ، هل حافظت الحكومة الحالية ومن سبقها على الطبقة الوسطى " صمام أمان المجتمعات " من انقراضها و اندثارها ، و إنخفاض نسب مساهمتها في التنمية من جراء إرتفاع التضخم وتآكل الدخول ، و اتساع دوائر الفقر والبطالة بفعل سياساتهم القاصرة من وجهة نظر البعض في مواجهة الأزمات الإقتصادية والإجتماعية المحلية ؟ ، وهل حصنتها من التبعات الإرتدادية للمشاكل الدولية والإقليمية " خصوصاً أن الأردن يقع في محيط ملتهب وواقع جيوسياسي متغير " ؟ ، وهل ادخرت و استثمرت في الحفاظ على هذه الطبقة لمثل هذا الإستحقاق ؟ .
بقرار سيادي تحت عنوان " لا بد من التغيير " بهدف توسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار ، إنتخابات 2024 يراد لها أن تكون باكورة تشكيل المستقبل السياسي للدولة الأردنية في المئوية الثانية ضمن منظور رؤية منظومة التحديث السياسي ، قرار ملكي حكيم في الدعوة وتبني مشروع الدولة للتحديث السياسي لمرحلة جديدة رافعتها الأساسية قانونا إنتخاب وأحزاب جديدين يُعيدان تموضع مناسب لجميع الأطراف ، مبني على مصلحة الوطن أولاً ، و يؤسسان لعلاقة تشاركية مبنية على الثقة ما بين أقطاب ثنائية القرار " حكومة ونواب " .
ينظر بعض المراقبين إلى قانون الإنتخاب الحالي على إعتبار أنه خطوة إصلاحية بضمانة وازنة من رأس الدولة يسعى إلى معالجة أي تشوهات سابقة .
المشاركة الشعبية في صناعة القرار تأتي من خلال إختيار الناخب من يمثله في السلطة التشريعية بدون أي تأثير مادي أو معنوي ، تحت رقابة مؤسسات تضمن نزاهة وعدالة وسير إجراءات العملية الإنتخابية ، وهذه المرحلة تُعتبر مظهر متقدم من مظاهر المشاركة السياسية في النظم الديمقراطية التي تعتبر المواطن محور الوعي ومحرك الإدراك وأساس التنمية .
مجلس النواب القادم مختلف من حيث الشكل والتركيبة السياسية عن المجالس النيابية السابقة ، ويضمن تمثيل أكبر للشباب والمرأة والأحزاب السياسية ، وسوف يتعزز وجودهم في المجالس القادمة بناءً على رؤية منظومة التحديث السياسي ، أما المضمون فلا نستطيع الحكم على مخرجاته إلا بعد أن نرى النتائج تحت القبة ، أحسنوا إختيار من يمثلكم حتى لا يستمر مسلسل الندم .
حمى الله الأردن واحة أمن واستقرار .
وعلى أرضه ما يستحق الحياة .