الضفة الغربية قيد التخطيط
ماهر أبو طير
الإنسان العربي تديره العواطف، والعواطف في هذا الزمن يديرها الإعلام، والإعلام هنا الله أعلم وحده من يديره، ظاهرا وباطنا، وفي كل الأحوال تتم صناعة بوصلة الرأي العام وتوجيهها.
كل الأنظار تتركز على غزة، فيما الكلام عن الضفة الغربية يرتفع وينخفض، بدرجات متفاوتة، وما يمكن قوله هنا، استخلاصا من مصادر رفيعة المستوى تعيش داخل الضفة الغربية، وهي مسيسة ومدركة لما تقول، إن الضفة الغربية في هذا التوقيت بالذات بعد مرور كل هذه الشهور على حرب غزة، تواجه سيناريوهات مختلفة بسبب الضغط على خواصر الضفة الغربية.
أولا، تواجه الضفة الغربية خطر انهيار اقتصادي، وربما مجاعة، وهذا ليس مبالغة، لأن أغلب أهلها لا يعملون، والذين يعملون لا يأخذون إلا جزءا من رواتبهم، وأغلب أهل الضفة ملاحقون من بنوك الضفة التي رهنت أراضيهم وبيوتهم، مقابل شراء سيارات وعقارات على طريقة أي شعب عربي، وهؤلاء يجهدون اليوم لدفع رسوم أولادهم في الجامعات، ولا يجدونها، والذي له معارف في الضفة الغربية فليتصل ويسألهم عن سبب إعلانات بيع السيارات والعقار.
ثانيا، سلطة أوسلو في أنفاسها الأخيرة، فهي منبوذة اجتماعيا، وتحولت بشكل فعلي إلى سلطة أمنية يتسلط أفراد الذين لا يقبضون رواتبهم للمفارقة على الفلسطينيين، والفقير ينكل بالفقير، وأكثر من 60 ألف عنصر أمن لا يطلقون رصاصة على إسرائيل، والخلافات السياسية والتنظيمية والارتباطات هنا وهناك لرؤوس السلطة، تمهد لمرحلة ما بعد الانهيار الكلي، خصوصا، أن السلطة ذاتها مدينة ومفلسة وأموالها محجوزة، وغير قادرة على الاستمرار فنيا، بتخطيط إسرائيلي يجهز للمرحلة المقبلة، فيما تتفرج السلطة على المشهد بكل صمت مريب.
ثالثا، يرتبط بالتخطيط الإسرائيلي للقدس والهجوم عليها، واستثارة أهلها، والتحشيد ضدهم، وخنقهم اقتصاديا، وملاحقتهم أمنيا، واقتحامات المسجد الأقصى اليومية، وتدمير سوار الريف المقدسي، بالفقر والديون والملاحقة، والاعتداء على المصلين، وتدمير البلدة القديمة وبيوتها ومحلاتها التجارية تمهيدا لإفقار أهلها، والسيطرة على وجه مهم من هوية المدينة، فيما الوضع الاقتصادي ذاته يشابه وضع الضفة الغربية، لكن بدرجة أقل، فهو ليس بذات درجة السوء، لكنه سيئ أيضا، ويؤدي إلى تداعيات خطيرة تزلزل الوضع المقدسي برمته بما يفتح المدينة داخل سور البلدة القديمة، وخارجها، على احتمالات بركانية سنراها آجلا أم عاجلا، مع مصادرات الأرض، والنيّة لفرض السيادة الإسرائيلية على الحرم القدسي، وربما بناء كنيس، وما يتعلق ببناء مرافق ومؤسسات يهودية في كل مدينة القدس لطمس هوية المدينة التي تعد جزءا من الضفة.
رابعا، عدم وجود ممانعة دولية حقيقية من جانب العالم لما فعلته إسرائيل في غزة، قد يوطئ لنقل المشهد ذاته إلى الضفة الغربية، وسط معلومات تتسرب أحيانا عن مخططات لنقل أهل بعض مناطق الضفة الغربية إلى مخيمات في الأغوار في الجانب الغربي لنهر الأردن، والكلام هنا متعدد، عن سيناريوهات مختلفة، ولا نريد التورط في عادة نشر بعضها حتى لا نشارك في ترويع أفئدة الفلسطينيين فوق ما هم فيه، وسط الحملات التي تستهدف تهديم معنوياتهم.
خامسا، الجزء الأهم من المشروع الإسرائيلي ليس في غزة أساسا، بل في الضفة الغربية، المصنفة إسرائيليا بكونها يهودا والسامرة، وفيها مواقع دينية وفقا لتعريفات الإسرائيليين، فوق أهميتها الأمنية، كعمق لما يسمى لإسرائيل وهي تعد كنزا مائيا، وزراعيا، وهذا يعني أن الضفة الغربية أساسية للمشروع الإسرائيلي، وهي إذا خرجت من غزة منتصرة ستأتي إلى الضفة الغربية بهدف ارتكاب مذابح دموية جماعية، وإخراج الفلسطينيين منها بكل الوسائل المتاحة.
الخلاصة تقول هنا إن ملف الضفة الغربية خطير جدا، ويتوجب مواصلة متابعة كل تفاصيله، بأدقها وأخطرها، خصوصا، إذا قرر الاحتلال أن ينتقل لهذه المرحلة من مشروعه.