كامالا هاريس في طريقها للمقعد الأمامي
انتقلت نائبة الرئيس كامالا هاريس من المقعد الخلفي إلى المقعد الأمامي متصدية لقيادة السلطة والتاريخ. فقد تنحى الرئيس جو بايدن عن السباق، وسلم الشعلة إلى الجيل الجديد، بقيادة هاريس، وعهد إليها بتوحيد الحزب والحفاظ على الديمقراطية، كما أعلن في خطاب ألقاه في المكتب البيضاوي.
تمكنت هاريس من حشد الحزب حولها، وتأمين تأييد الرئيس وقيادة الحزب والديمقراطيين في الكونغرس، وحطمت أرقاما قياسية في جمع التبرعات وحشد المؤيدين من النساء. والآن، تستعيد الحملة الديمقراطية حيويتها، وتوشك هاريس، وهي شابة من ذوي البشرة الملونة، على صنع التاريخ إذا واصلت هذا الزخم وفازت وأصبحت أول رئيسة للولايات المتحدة. ومع ذلك، تظل هذه الـ"إذا" مهمة جدا في هذه المرحلة من الحملة.
وبصفتها نائبة للرئيس، التزمت بالسياسة الخارجية لإدارة بايدن. ومع ذلك، وجد الجمهور الأميركي- ومعه العالم بأسره- أنه لا يعرف الكثير عن آرائها في السياسة الخارجية، نظرا لتركيزها على المبادرات المحلية كعضو في مجلس الشيوخ ثم نائبة للرئيس. وعلى النقيض من بايدن، تفتقر هاريس إلى الخبرة الواسعة وشبكة العلاقات الممتدة التي كان جو بايدن يتمتع بها مع زعماء العالم، على مدى 50 عاما في العمل السياسي.
ملف صعب
أثناء نيابتها للرئيس، كلفها البيت الأبيض بملف الهجرة الصعب، وهو الأصعب، ولا يحقق عادة النجاح أو الاستحسان. ولوقف تدفق المهاجرين عبر الحدود الجنوبية، ركزت هاريس على أميركا الوسطى، بهدف معالجة الفقر والفساد وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لتثبيط الهجرة وتشجيع الناس على البقاء في بلدانهم. وعلى الرغم من جهودها، لم تنجح في كبح التدفق الهائل للمهاجرين، الذي اجتاح المدن الأميركية وجعلها هدفا لانتقادات الجمهوريين وحتى بعض زملائها الديمقراطيين. وتظل هذه القضية أكبر نقاط ضعفها في الحملة.
صحيح أن التركيز على جيران أميركا الجنوبيين لم يكن الملف الذي كانت هاريس تفضل أن تشتغل عليه لتعزيز مؤهلاتها في السياسة الخارجية، خاصة وأن البيت الأبيض، كما كان واضحا، لم يستخدمها كعامل رئيس في السياسة الخارجية، بل كان يعتمد أكثر على مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية ومبعوثي البيت الأبيض، خاصةً في الشرق الأوسط. ووفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن المسؤولين الأجانب كانوا يعتقدون أن "السيدة هاريس لم تظهر كشخصية رئيسة للقادة العالميين". ومع ذلك، فهي ليست بعيدة تماما عن المشهد. ويبدو أن ثمة "إجماعا بين المسؤولين والدبلوماسيين الأجانب على أن السيدة هاريس لديها فهم قوي للشؤون الدولية".
ووفقا لصحيفة "بوليتيكو" فقد كان عدد من قادة العالم "على تواصل سريع مستمر معها". واستعرضت الصحيفة مئة مكالمة هاتفية واجتماع مع قادة العالم لتقييم نقاط قوتها وضعفها في السياسة الخارجية. وخلصت إلى أن معظم تفاعلاتها كانت مع "مجموعة قادة من آسيا والشرق الأوسط، ومجموعة محدودة من رؤساء الدول الأوروبية واللاتينية والأفريقية". وتحدثت بشكل متكرر مع قادة اليابان والمكسيك والأردن والفلبين.
ولكن "بوليتيكو" انتبهت إلى نقص في تواصل هاريس مع قادة دول أخرى، على الرغم من أن بعضها ضمن الحلفاء الأساسيين لأميركا. ولاحظت الصحيفة غياب التواصل مع السعودية، خاصةً أن إدارة بايدن تجعل من الاتفاق بين السعودية وإسرائيل حجر الزاوية في سياستها في الشرق الأوسط.
وقيل لنا: إنها حضرت مؤتمر ميونيخ للأمن عدة مرات وسافرت إلى أوروبا، لإصلاح ذات البين بين الولايات المتحدة وفرنسا "الغاضبة" بعد أن تخلت أستراليا عن الصفقة الفرنسية وتحولت إلى الولايات المتحدة لمساعدتها في بناء غواصاتها. وزارت آسيا وأفريقيا، للمساعدة في احتواء النفوذ الصيني وأميركا اللاتينية للحد من الهجرة، ولكنها لم تلتق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قط، رغم لقائها بعدوه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ولديها "علاقات عميقة" مع رؤساء دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ ومع القادة الإسرائيليين، وهي قريبة على سبيل المثال من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ. وأفاد البيت الأبيض للصحيفة بأن هاريس تكون عادة حاضرة في "مكالمات بايدن مع المسؤولين الإسرائيليين، وكانت إما على الخط أو جالسة في الغرفة أثناء مكالمات بايدن مع نتنياهو".
ليست انعزالية
وفازت هاريس، التي ليست من دعاة الانعزالية، بتأييد وثقة حوالي 350 من كبار المسؤولين في السياسة الخارجية. اعتبروها "الشخص الأكثر تأهيلا" لقيادة البلاد، والشخص الذي لديه "خبرة دولية أكبر من معظم الرؤساء الجدد".
ومن بين المسؤولين السياسيين والسفراء السابقين وصناع السياسة الخارجية الذين وقعوا على رسالة نشرتها "واشنطن بوست"، مستشارا الأمن القومي السابقان سوزان رايس وتوماس دونيلون، ووزيرا الخارجية السابقان هيلاري كلينتون وجون كيري، ووزيرا الدفاع السابقان تشاك هاغل وليون بانيتا، ورئيسا الاستخبارات السابقان مايكل هايدن وجيمس كلابر، وقائمة طويلة من خبراء السياسة الخارجية الآخرين.
وقال هؤلاء في رسالتهم إن هاريس في حال انتخابها رئيسة، "ستدخل هذا المنصب بخبرة أمنية وطنية أكبر من تلك التي اكتسبها الرؤساء الأربعة السابقون للرئيس بايدن. وفي بيئة الأمن العالمية اليوم، فإن ما نحتاج إليه هو زعيم قوي ومختبر".
وأضافت الرسالة أن هاريس "كانت بجانب الرئيس في المكتب البيضاوي وفي غرفة العمليات لإدارة الأزمات الدولية عالية المخاطر وتقديم المشورة بشأن أصعب القرارات- من رد الولايات المتحدة على غزو روسيا غير المبرر لأوكرانيا، إلى دفاع الولايات المتحدة عن إسرائيل عندما هاجمتها إيران في أبريل/نيسان 2024، إلى الضربات الأميركية ضد زعماء تنظيم القاعدة".
إسرائيل والخليج
وعلى الرغم من هذا التأييد، وصف أحد المسؤولين الأوروبيين هاريس بأنها "غير مرئية". وهو في ذلك ربما يتحدث بلسان دول الشرق الأوسط والعالم العربي على وجه الخصوص الذين نادرا ما التقوا بها. وبالفعل، كانت المرات القليلة التي ظهرت فيها هاريس على رادار الشرق الأوسط قبل حرب غزة عندما زارت دبي لحضور مؤتمر المناخ واجتماعاتها مع قادة الإمارات، يضاف إلى ذلك اجتماعاتها مع الملك عبد الله ملك الأردن ومكالماتها إليه.
إن هاريس، مثل إدارتها ومعظم الديمقراطيين، مؤيدة لإسرائيل ولكنها تنتقد سياسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن حرب غزة. وقالت إن تقاربها مع إسرائيل يعود إلى طفولتها. وفي تصريحاتها بعد لقاء نتنياهو، قالت إن "التزامها الثابت بوجود دولة إسرائيل وأمنها وأمن شعب إسرائيل"، يعود إلى "عندما كنت طفلة صغيرة أجمع الأموال لزراعة الأشجار لإسرائيل".
ولا ننسَ أنها متزوجة من السيد دوغلاس إيمهوف، وهو يهودي، ولكن يقال إن ابنته إيلا إيمهوف مؤيدة للفلسطينيين وساعدت في جمع الأموال لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وخلال فترة ولايتها في مجلس الشيوخ، عارضت هاريس مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وانتقدت حرب اليمن. وكتب الخبير البارز إيان بريمر، أن هاريس لا ترى أن هذا يتعارض مع الرغبة في تعزيز العلاقات الأميركية مع دول الخليج. فبالنسبة للمملكة العربية السعودية، ترى أن تحسين العلاقة الأمنية، بما في ذلك التحالف المتطور– إذا وافق الكونغرس على ذلك– يمثل فوزا كبيرا محتملا للولايات المتحدة. وزاد أنها تسعى بنشاط إلى إشراك السعودية بشكل أوثق في مجالات التكنولوجيا والطاقة الانتقالية، وإبعادهم عن النفوذ الصيني. ومع ذلك تعتقد هاريس أن توسيع "اتفاقات أبراهام" لتشمل السعودية يتطلب مسارا واضحا يقود إلى دولة فلسطينية (وهو أيضا موقف السعودية، من حيث المبدأ)، وبالتالي فإن المكون الإسرائيلي سيكون أكثر تحديا في هذا السياق.
وقد تعاونت مع أعضاء مجلس الشيوخ الآخرين وشاركت في رعاية قرار يعارض الموقف الأميركي بشأن قرار مجلس الأمن رقم 2234 في عام 2016، الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية "انتهاكا صارخا للقانون الدولي" ويؤكد أنها "لا تحمل أي شرعية قانونية". وكانت الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت، في عهد الرئيس باراك أوباما، مما سمح بتمرير القرار في الأمم المتحدة. أثار هذا القرار غضب أعضاء الكونغرس المؤيدين لإسرائيل، الذين سعوا إلى إدانة القرار.
وذكرت الناس بالمراحل التي يمر بها الاتفاق على الطاولة لوقف إطلاق النار وصفقة الرهائن. وقالت: "لقد حان الوقت لإنهاء هذه الحرب بطريقة تجعل إسرائيل آمنة، ويتم إطلاق سراح جميع الرهائن، وتنتهي معاناة الفلسطينيين في غزة، ويمكن للشعب الفلسطيني ممارسة حقه في الحرية والكرامة وتقرير المصير". وأضافت أن "حل الدولتين هو المسار الوحيد الذي يضمن بقاء إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية آمنة، والذي يضمن للفلسطينيين أن يحققوا أخيرا الحرية والأمن والازدهار الذي يستحقونه بجدارة".
أول اختبار
لقد انزعج نتنياهو من تصريحاتها، وذكر مسؤول إسرائيلي تحدث إلى الصحافة الأميركية أن نتنياهو "يخشى أن تضر بالمفاوضات بشأن صفقة احتجاز الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة".
ويقول إليوت أبرامز الذي عمل مع إدارات أميركية عدة، إنه "من المرجح أن تتبنى هاريس نهجا مشابها لذلك الذي سبقها إليه أوباما وبايدن، أي السعي لتجنب التصعيد والمواجهة". ويضيف أن "هذا ينطبق على الدول العربية، سواء في الخليج أو دول مثل الأردن ومصر. لكنها قد تكون أقل دفئا تجاه إسرائيل. ومردّ ذلك جزئيا الاختلاف بين جيلي بايدن وهاريس، فالأول ينتمي إلى جيل أقدم من الديمقراطيين، الذين كانوا ذوي ميول صهيونية حقيقية، أما الحزب الديمقراطي اليوم فهو أقل ميلا إلى إسرائيل من سلفه".
ويتابع أنه يجب أن لا ننسى أن هاريس جزء من الجناح اليساري للحزب، الذي أطلقت عليه جين كيركباتريك في عام 1984 لقب "ديمقراطيو سان فرانسيسكو".
وفي حين أن الاختلاف لن يكون جذريا، فلن يكون من الصعب ملاحظة تغيير في النبرة.
زيارة نتنياهو كانت أول اختبار للسياسة الخارجية لهاريس في حملتها، وقد أطلق العنان للهجمات المؤيدة لإسرائيل ضدها. وقال السفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون في تغريدة إن تصريحاتها "مقلقة للغاية، ونتنياهو له كل الحق في القلق". وأضاف أن "هاري ترومان يتقلب في قبره لأن العلاقة الخاصة للحزب الديمقراطي مع إسرائيل تختفي. ستكون إدارة هاريس عالما مختلفا في العلاقات الخارجية بين أميركا وإسرائيل".
ومن جانبه، هاجم منافسها الرئيس دونالد ترمب هاريس بعد اجتماعه مع نتنياهو، واعتبر أن تصريحها بعد لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي "إهانة لإسرائيل"، على الرغم من أنه انتقد نتنياهو بشأن الحرب في غزة، ولكن لأن نتنياهو "تأخر في إنهاء المهمة بسرعة".
تحتاج هاريس إلى الموازنة بين موقفها الداعم لإسرائيل والحرص على عدم تنفير الناخبين المؤيدين لإسرائيل، ومناشدة التصويت العربي الذي يعد أمرا بالغ الأهمية لها للفوز بولاية ميتشيغان، وهي الولاية التي يجب الفوز بها للفوز بالانتخابات.