استدامة الدين العام - الاستدانة من "الضمان" (3)
سلامة الدرعاوي
إحدى أبرز الإشكاليات النقاشية في موضوع مديونية الأردن هي استدانة الحكومة من صندوق أموال الضمان الاجتماعي، والتي بلغت حتى نهاية شهر حزيران 9.5 مليار دينار، وتشكل ما نسبته 61.3 % من موجودات الصندوق، التي بلغت حتى نهاية النصف الأول 15.5 مليار دينار. رقم الاستدانة (9.5 مليار دينار) يشكل مادة خصبة باستمرار لانتقاد الحكومة وإثارة التخوفات حول لجوئها المستمر لأموال "الضمان"، والتي يرى الكثير من المتابعين أنه لا يجوز للحكومة الاقتراض منه بهذا الشكل، ويجب عليها البحث عن بدائل أخرى، وترك الصندوق ليستثمر في قطاعات أخرى غير سندات الخزينة. طبعاً، مبررات رفض إقدام الحكومة على الاقتراض من صندوق الضمان تتمثل في المخاوف من عدم تمكن الحكومة من السداد، وبالتالي ضياع أموال الصندوق التي هي أموال المشتركين، بالإضافة إلى أسباب أخرى تحتاج إلى توضيح علمي وعملي. بداية، لا بد من الإشارة إلى أن إحدى أفضل وأنجع الأدوات الاستثمارية التي عادة ما تلجأ إليها الصناديق الاستثمارية في مختلف دول العالم، خاصة صناديق الضمان الاجتماعي، هي المشاركة الاستثمارية في السندات التي تطرحها الخزينة عبر البنوك المركزية، وهو الحال الذي ينطبق أيضاً على المشهد المحلي. صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي يملك كافة الاستقلالية في اتخاذ القرار الاستثماري بالمشاركة في سندات الخزينة أم لا، فهو صاحب القرار الذي يراه مناسباً في الدخول في تلك السندات بناءً على الجدوى الاقتصادية للفرصة المتاحة، وهناك العديد من الحالات التي لم يدخل فيها الصندوق في السندات التي حصلت عليها البنوك وبعض الشركات المالية المسموح لها بالمشاركة. لكن إدارة صندوق الضمان تدرك تماماً من الناحية الاقتصادية أن جدوى الاستثمار في سوق السندات هي الأكثر فاعلية في تحقيق الأرباح وزيادتها بسرعة وبحجم كبير بأقل درجة من المخاطر، كما هو حاصل اليوم. فمحفظة السندات تشكل أكثر من 55 % من إجمالي محفظة الضمان، وأرباحها لوحدها تزيد على 50 % من إجمالي أرباح الضمان المتحققة. ولو كان هناك قطاعات استثمارية أكثر جدوى من السندات، لتوجهت إليها أنظار وآليات الصندوق للاستثمار فيها، لكن ما زالت سوق السندات في المملكة، مثلها مثل غيرها من الأسواق، الأكثر جدوى في الأرباح المتحققة فعلياً. بالنسبة للحكومة، فلم يسبق أبداً في تاريخها أن تخلفت عن سداد ديون صندوق الضمان، فهي تتعامل معها مثلها مثل أي ديون خارجية أو سندات يوروبوندز عالمية، ولا يوجد ما يقلق في هذا الجانب، ولا ننسى أن الضمان واستمراريته هو جزء أصيل لا ينفصل عن استمرارية الاستقرار الاقتصادي في الأردن. أما بالنسبة للتخوفات من أن الحكومة تستحوذ على غالبية أموال الصندوق، وأن الأخير لم يعد لديه أموال قادرة على تلبية احتياجاته التمويلية لنفقات المتقاعدين مستقبلاً، فهذا كلام لا يتوافق مع الأساسات المالية الأساسية للصندوق، ولا يعكس معرفة بحجم الوفورات المتحققة على أرض الواقع. والدليل على ذلك أن التغير في رصيد الحيازات للصندوق من أوراق الدين الحكومية يتسع مع توسع قاعدة الأرباح والملاءة المالية للصندوق، والتي تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع حيازات الضمان إلى 25.7 % من الناتج المحلي الإجمالي حتى نهاية شهر حزيران 2024، بعد أن كانت 17.5 % في عام 2018، في حين بلغت تلك الحيازات بالأرقام المطلقة 9.5 مليار دينار مع نهاية حزيران 2024، وبنسبة تغير 1.1 % من الناتج عن نهاية العام الماضي. الحكومة تمتلك أدوات متعددة للاقتراض الداخلي، منها البنوك التي تملك سيولة متاحة للإقراض تزيد عن 5 مليارات دينار في نهاية شهر حزيران 2024، وبالتالي، ليس صحيحاً أن الحكومة تلجأ إلى الاقتراض من الصندوق لفقدان وسائل التمويل الداخلي كما يروّج البعض، بل المسألة تتعلق بأبعاد اقتصادية وفنية بحتة مرتبطة بالجدوى الاقتصادية وتنويع خيارات التمويل فقط لا غير. أخيراً، يعتبر إقراض الحكومة استثماراً آمناً نسبياً لصندوق الضمان، حيث يمكن أن يوفر عوائد ثابتة ومستقرة تعود بالنفع على المشتركين في الصندوق، ويساعد على تعزيز الاستقرار الاقتصادي من خلال تمويل الاحتياجات الحكومية العاجلة بشكل مؤقت دون التأثير في الاستقرار المالي العام، كما يمكن أن يؤدي الإنفاق الحكومي الممول من قروض الضمان إلى تحفيز الاقتصاد عن طريق زيادة الإنفاق على المشاريع والخدمات العامة، مما يدعم الوظائف، ويعزز الطلب في السوق.