أموال الضمان وقوة الدينار.. خبير اقتصادي يضع النقاط على الحروف
سلّط الخبير الاقتصادي مفلح عقل، الضوء على التفاعل الحاصل بين التوترات الجيوسياسية الخارجية، والآليات الاقتصادية الداخلية في الأردن، ما يوفر فهمًا شاملًا للمشهد الاقتصادي الحالي في البلاد.
وقال خلال حديثه لقناة رؤيا، إن منطقة الشرق الأوسط تعاني تاريخيًا من الصراع، وهي تمر الآن بمنعطف حرج مرة أخرى، فالحرب الدائرة في غزة لم تتسبب بتفاقم الاضطرابات القائمة في المنطقة فحسب، بل تهدد أيضًا بدفعها نحو حالة أكثر خطورة من المواجهات العسكرية المباشرة، مؤكدًا أن مثل هذا التطور من شأنه أن يخلف آثارًا عميقة على الأردن، الدولة العائمة وسط الفوضى الإقليمية.
وأوضح عقل أن احتمال تصعيد الصراع يشكل تهديدًا مباشرًا لركيزتين من ركائز الاقتصاد الأردني: السياحة والاستثمار، فالأولى تعد مصدرًا مهمًا للإيرادات والعمالة في الأردن، كما أنه يُنظر لها على أنها قطاع حساس للغاية، ما يعني أن أي تصعيد في العنف قد يردع السياح، ليس فقط عن زيارة الأردن، بل وعن السفر إلى المنطقة ككل، وأنه على نحو مماثل، قد يصبح المستثمرون الأجانب والمحليون، الذين يخشون بالفعل تقلبات المنطقة، مترددين بشكل متزايد في تخصيص رأس المال للمشاريع الأردنية.
وبيّن أنه في قلب الخطاب الاقتصادي الداخلي في الأردن تكمن العلاقة بين الحكومة والضمان الاجتماعي - وهي العلاقة التي كانت موضوع آراء وتكهنات، متناولًا بشكل مباشر الحديث الدائر حول المخاوف والأقاويل التي تتحدث عن إفلاس الضمان الاجتماعي بسبب استثماراته المكثفة في السندات الحكومية، وهو يرفض هذه المخاوف بشكل لا لبس فيه، فهي تستند إلى سوء فهم أساسي للمبادئ الاقتصادية وطبيعة الديون السيادية.
فقد قدّم الضمان الاجتماعي قروضاً كبيرة للحكومة الأردنية، بلغت نحو 9.5 مليار دينار أردني، ورغم أن هذا المبلغ كبير بالفعل، إلا أن هناك إشارة بالغة الأهمية، وهي أنه لا يوجد دولة واحدة تخلفت عن سداد ديونها المقومة بعملتها الخاصة.
علاوة على ذلك، يلاحظ عقل أن الضمان الاجتماعي ليس وحده في هذه الممارسة، فالبنوك الأردنية تقرض أيضًا الحكومة بمبالغ كبيرة، ومع ذلك، لا تعبر هذه المؤسسات عن نفس المخاوف بشأن الإفلاس المحتمل. وهذا يثير سؤالاً بالغ الأهمية: إذا كانت البنوك، لا تشعر بالقلق، فلماذا يجب أن يشعر الضمان الاجتماعي، بذلك؟
وأوضح عقل أن استثمارات الضمان الاجتماعي في السندات الحكومية بعيدة كل البعد عن التهور؛ في الواقع، إنها مفيدة استراتيجيًا، فهي توفر ديونًا مضمونة بأسعار فائدة عالية، مما يترجم إلى عوائد كبيرة للضمان الاجتماعي، وذلك ترجم على أرض الواقع في عام 2024 وحده، حيث حصل الضمان الاجتماعي على 265 مليون دينار أردني كفوائد، وهو ما يمثل 60% من إجمالي أرباحه البالغة 477 مليون دينار.
في خضم التحديات الإقليمية والداخلية، يؤكد عقل متانة واستقرار الدينار الأردني، مسلطًا الضوء على القوة الدائمة للدينار، علمًا أنه مرتبط بالدولار الأمريكي منذ عام 1995، وهي الاستراتيجية التي وفرت مرساة حاسمة للاستقرار للاقتصاد الأردني. وعلى الرغم من التحديات العديدة التي تواجه المنطقة، ظلت قيمة الدينار ثابتة لما يقرب من ثلاثة عقود.
ويستند هذا الاستقرار إلى تدفق ثابت من العملات الأجنبية إلى الأردن، والذي كان كافيًا لتغطية احتياجات البلاد من الواردات. كما عززت التدابير الاستباقية التي اتخذها البنك المركزي الأردني، مثل شراء ما يقرب من 500 مليون دولار أمريكي من البنوك التي ترغب بالحصول على الدينار الأردني، بحلول منتصف عام 2024، المرونة المالية للبلاد.