الأردن بعد «تدويل وأقلمة»: ملف غزة يعاني من «كلفة الاحتفاظ» بالاعتدال القديم

{title}
أخبار الأردن -

بسام البدارين

عملياً، لا يملك الأردن الرسمي الكثير لتقديمه لا للداخل ولا للخارج في سياق نزع فتيل أزمة حادة يمكن أن تنزلق بالمنطقة إلى منطقة صراع عسكري تهدد مجمل الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
رغم ذلك، التفاعل سياسياً وجماهيرياً في الأردن مع «نتائج وتداعيات» حوارات الدوحة التي استمرت ليومي الخميس والجمعة، يظهر شغفاً مباشراً في معرفة الاتجاه الذي ستذهب إليه المنطقة بانتظار «معالجة ما».


تلك حقيقة يعرفها كثيرون، خصوصاً أن حكومة اليمين الإسرائيلي ضغطت بشدة طوال الأسابيع والأشهر العشرة الماضية لإخراج بلد معتدل مثل الأردن، عن سكة الاعتدال.


الاحتفاظ بالاعتدال القديم لم يعد ممكناً في مقايسات الباحث السياسي والاقتصادي الدكتور أنور خفش، الذي عاود عبر «القدس العربي» توجيه نصيحة بالتأسيس لمقاربات واستراتيجيات اشتباك على قدر المخاطر، محذراً من ضرورة الانتباه لمن «يكسب استراتيجياً» وفي المدى الطويل من المعركة الدائرة حالياً.


هنا حصراً كان رئيس مجلس الأعيان المخضرم فيصل الفايز، يحذر عندما ناقشته «القدس العربي» سابقاً من «التشدد الإسرائيلي» وهو يؤدي لـ «انزلاق الجميع» مشيراً الآن إلى أن «تجاهل» الحكمة والخبرة الأردنية يغذي ذلك الانزلاق.


يعتب ساسة أردنيون بالجملة هذه الأيام على «الصديق والحليف الأمريكي» تحديداً لأن مؤشرات المجاملة التي يظهرها لاستحكامات نتنياهو ويمين إسرائيل طوال أشهر تضرب منطق «معسكر الاعتدال العربي» وتضغط بشدة على الدول العربية المعتدلة التي تريد رصد المنطقة بحالة استقرار. يرى رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، أن المنطقة لن تسترخي ما دام العالم يتجاوز «الحق الفلسطيني» ثم يهمس عبر «القدس العربي» مؤخراً بأنه «لا مصلحة لأحد» في ضرب الاعتدال عبر تمكين «المتشددين» في إسرائيل والغرب من العودة لمنهجية «صراع الحضارات».


لا يوجد عملياً وصفة محددة يمكن لحكومة عمان أن تتبعها الآن في ظل حالة التمحور التي تعيشها المنطقة وعلقت بوسطها «القضية الفلسطينية» كما علقت «المصالح الأردنية».


العاهل الملك عبد الله الثاني ومنذ الأسبوع الثالث للعدوان الإسرائيلي على غزة، وهو يحذر من بقاء العدوان ويطالب بوقفه فوراً وبأسرع وقت ممكن وإدخال المساعدات.
لكن أزمة غزة حتى في مقاييس غرفة القرار الأردنية العميقة خرجت من أيدي وأصابع اللاعبين المباشرين في غزة لصالح «أقلمة وتدويل» الملف.


ذلك وضع لم يتوقعه الأردن كثيراً، وكان يحذر منه؛ بمعنى أن ما سيحصل في غزة سيحدد الآن ما سيحصل مع إيران ويرسم سياقاً جديداً للتحالف الروسي الإيراني ويدخل الرئيس الفلسطيني محمود عباس مجدداً على خط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعبارات حادة شهدها البرلمان التركي.

انتقل الصراع عملياً بالمواصفات والمقاييس الأردنية من معركة عدوان وإبادة هدفها إخضاع المقاومة الفلسطينية، إلى أزمة إقليمية مشتعلة دفعت بالمنطقة للبقاء على أطراف أصابعها.
كيف يمكن الاحتفاظ بـ «الاعتدال» وسط كل هذه التحديات التي يزرعها يمين إسرائيلي يريد التأسيس لصراع ديني؟ سؤال طرحه وزير الخارجية الأردني في الكواليس على جوزيب بوريل المسؤول الأوروبي البارز عندما زار الأخير عمان.


في تقييم غرفة القرار الأردني عشية «حوارات الدوحة» فإن ضعف هوامش التأسيس والهيبة الدبلوماسية في القرار الأمريكي دفعت لصراع ببعد «شخصي» بين نتنياهو ويحيى السنوار الذي يمثل «فلسطين والمحور» الآن.


اختلطت الأوراق مجدداً. والأردن في الجغرافيا كما في التاريخ، في منطقة وسط واعتدال لم يعد يستوعبها أو يهضمها الأمر الواقع، خلافاً لإقرار مسؤولين كبار بأن المراوحة في منطق «الحياد والاعتدال» – تجنباً للمطبات والكمائن – ينتج عنها «ضغط شديد» في المعادلة الداخلية الأردنية أيضاًـ وهو ما يشير له الدكتور الخفش عندما يقترح «تذكير صناع القرار» بأن «كتلة ضخمة في عمق المجتمع الأردني» اليوم تساند غزة والمقاومة، وليس من «الحكمة» تجاهلها بعد الآن عند «بناء موقف أو قرار».


مسألة مساندة الرأي العام الأردني عموماً للمقاومة وتنديده بالتطبيع وإسرائيل وأمريكا وترحيبه بـ «المحور الإيراني» بدأت تطرح الأسئلة وتثير الشكوك حتى في أضيق قنوات النقاش السيادي، وإن كان «خطاب الثوابت» يكبح جماح التعاطي بتشدد مع المذابح الإسرائيلية في فلسطين المحتلة على مستوى الحاضنة الاجتماعية العريضة لدعم المقاومة في عمق المجتمع.


لذلك، الاحتفاظ بالاعتدال القديم «قد يصبح» مهمة صعبة أو محفوفة ببعض المخاطر إذا لم تستدرك الدول الكبرى وتضع حداً للنزيف الإقليمي، وهو ما يدفع خبيراً كبيراً من وزن الدكتور جواد العناني، لتذكير الجميع محلياً بأن «ضعف الرئيس جو بايدن» وطاقمه، قدم مساهمة فعالة في الضغط على «الاعتدال العربي» وتهميش ساحات المناورة.


يوافق العناني مع غيره على الاستنتاج الآتي: ضعف الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في الواقع وتردد إدارته منذ أكثر من تسعة أشهر وحجم التسهيلات التي قدمها لليمين الإسرائيلي المتطرف، كلها عناصر ساهمت في إضعاف نادي أصدقاء وحلفاء واشنطن في المنطقة.


«نعم، يلحق هذا الوضع ضرراً بالغاً بمصالحنا» تلك وجهة نظر العناني، حين كانت «القدس العربي» تناقشه وسط تأكيد كل المراجع الرسمية على أن «الاستمرار في إنكار حقوق الشعب الفلسطيني ودولته» يخدم «المحور الإيراني» ويؤدي لإرهاق حكومات معسكر الاعتدال العربي.

 


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير