كرادشة: عزوف ملاحظ عن الزواج في الأردن
شهد الأردن انخفاضًا ملحوظًا في أعداد حالات الزواج في عام 2022 مقارنة بعام 2021 وبنسبة انخفاض بلغت 15.2% وبمقدار 11526 عقدًا، حيث سجل في المملكة عام 2021 نحو 75 ألف عقد زواج، لينخفض الرقم في عام 2022 إلى نحو 64 ألف عقد زواج، وفقًا لقاضي قضاة الأردن الشيخ عبد الحافظ الربطة.
فيما ذهب أستاذ علم الاجتماع الدكتور منير كرادشة إلى أن متوسط العمر عند الزواج الأول للإناث ارتفع من (21.7) سنة لعام (1993) إلى (25) سنة لعام (2003)، وصولًا إلى (26.6) سنة لعام (2021)، فيما وصل متوسط العمر عند الزواج الأول للذكور إلى (31.6) سنة للعام (2021).
وقال في حديث لصحيفة "أخبار الأردن" الإلكترونية إن الفروق البيولوجية بين الذكر والأنثى، وما يترتب على ذلك من تراكمات اجتماعية وثقافية، كرست المرأة - بسبب خصوصيتها البيولوجية - لأعباء الأمومة وما يصاحبها من حمل، وإنجاب، وإرضاع، وتربية، وعناية، مقابل تكريس الرجل بحكم خصوصيته البيولوجية للعملية الإنتاجية خارج نطاق الأسرة، قد أسهم باحتلال الرجل لأدوار بارزة في العملية الإنتاجية، وتوزيع الثروة، وتقسيم العمل.
وبيّن أنّ التحولات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، جنبًا إلى جنب مع الأحداث التاريخية التي مر بها المجتمع الأردني خلال العقود الأخيرة، رافقها تغيرات عميقة وجذرية في بنية الأسرة، وفي طبيعة الوظائف، والأدوار التي كانت تقوم بها، وفي النظم الفرعية المرتبطة بها كنظام الزواج، وأشكاله، وأنماطه، وتوقيته، فبعد أن كان الزواج بسن مبكرة هو النمط السائد والمرغوب، أخذ سن الزواج يرتفع بشكل واضح، مع تأخير مقصود قد يمتد لسنوات طويلة، وقد يصل الأمر حد العزوف عنه كليًا.
وأوضح كرادشة أن التزايد المُلاحظ في ظاهرة العزوبية الاختيارية في المجتمع الأردني، سببه طبيعة الظروف، والمعطيات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية التي يمر بها المجتمع، وما صاحب ذلك من تغيرات جوهرية وعميقة في توجهات الأفراد، واختياراتهم، وتطلعاتهم، وأذواقهم المختلفة.
وأشار إلى أنّ الأطر الثقافية في المجتمع الأردني التقليدي، خاصة تلك التي كانت تقوم على ربط الزواج بالرغبة في الحصول على الذرية، وتنظيم العلاقات الجنسية بين الذكور والإناث داخل المجتمع، والحفاظ على سمعة الأسرة، هي الأخرى شهدت تحولات جذرية تخللها ملابسات وأحداث ومعطيات مختلفة، أسهمت بشكل كبير في تغيير ملامح دوافع الزواج لدى الشباب الأردني وبدل محدداته وبصورة واضحة وغير معهودة.
وذكر كرادشة أن الأدبيات الاجتماعية المحلية، بيّنت أنّ التغيرات الجديدة التي طرأت على المجتمع الأردني كان تأثيرها حاسمًا وعميقًا في بنيته الاجتماعية والثقافية التقليدية، فهي كانت قد مسّت جوهر إشكالية الرجل والمرأة في الأسرة الأردنية الحديثة ولاسيما المرأة، فأسهمت في تغيير كثير من أوضاعها ومواقفها، وفي منحها مزيدًا من هوامش الحرية، ومزيدًا من الحقوق، التي مكنتها من التحكم أكثر بخياراتها الاجتماعية، والثقافية، خاصة تلك المتعلقة بزواجها وتوقيته؛ إذ ارتفع مستوى تعليمها وزادت نسبة مساهمتها في سوق العمل، وارتفع مستوى تحضرها الأمر الذي أسهم بتحريرها من كثير من مظاهر استلابها التقليدية، وتخليصها نسبيًا من قيود الأعمال المنزلية، وأزال كثيرًا من مظاهر التهميش التي كانت تُعاني منه، وعزز من تبنيها لمواقف أكثر وعيًا وحداثة، بخصوص توقيت عمرها عن الزواج.
وترى الأدبيات السوسيولوجية بهذا السياق، أنّ ظاهرة تأخر سن عند الزواج أو العزوبية الاختيارية هي جزء هام من الإشكالية التي تُعاني منها المرأة الأردنية، لِما يترتب عليها مشكلات اجتماعية وثقافية متنوعة، خاصة في مجتمع كالمجتمع الأردني الذي يمتاز ببناءاته الاجتماعية التقليدية المحافظة والمتماسكة والداعمة لمؤسسة الزواج، وما ينبثق عنها من تكوينات وتنظيم للعلاقات الجنسية بين الذكور والإناث، وما يقترن بذلك من بروز تعارُضات ومظاهر لتوتر والصراع داخل هذه البناءات، وظهور مشكلات ذات صيغ اجتماعية واقتصادية وثقافية قد تحمل هي الأخرى تهديداً لأمن واستقرار الأسرة الأردنية الحديثة.