الناطقون باسم الدولة
عبدالهادي راجي المجالي
للدولة ناطق إعلامي هو الدكتور مهند مبيضين، نعرفه جيدًا ونحترمه، ولكن الدولة لا تُصنع على مقاس حبر قلم أحدهم، ولا على رأي شخص معين، ولا تُقدَّم في إطار فكرة كاتب ما أو غضب سياسي.
أنا مع المقاومة الفلسطينية، ولكن هذا لا يعني أنني ضد مبادئ البلد أو توجهاتها أو حكومتها. ما زلت مؤمنًا أن جلالة الملك هو ضمير الدولة والمعبر عنها وحامي السيادة والمدافع عن القضية، وما زلت مؤمنًا أن الدفاع عنه والوقوف خلفه يعني الدفاع عن المبادئ والقيم والعروبة. تترسخ هذه القناعة فيّ كل يوم وتصبح نهجًا وطريقًا لكل حر وغيور.
أنا مع المقاومة، وأتفهم ضرورات البلد وحركتها وتحفظها على بعض الأمور، وأتفهم القرار الأمني ومعنى القرار السياسي. في ذات الوقت، ما زلت مُصرًّا على أن الجيش العربي هو أكثر الجيوش أخلاقًا ومبادئ في العالم. ما زلت مؤمنًا أنه المعبر عن الهوية والوجدان، وأنه الانعكاس الحقيقي لمروءة المجتمع وبسالته، وأنه حلم الشباب والضامن لمستقبل الدولة. ذكريات أهلنا في هذه المؤسسة ستبقى محفورة في القلب، وسنبقى نكتب للجباه السمراء والأنوف الشامخة والشخصية الواثقة. سنبقى نكتب للرتبة والقايش والبوريه، ولكل من يقف على حدودنا الشمالية في الصباح، يبدأ يومه باسم الله، ثم يراقب كل حركة وكل زوبعة، مؤمنًا أن ضلوعه هي النار وهي البارود وهي السياج.
أنا مع المقاومة، مع أن يحمل كل فتى من فتيتنا علم فلسطين وعلم الأردن، مع أن يتوحد الشماغ الأحمر والأسود، مع أن يصعد الصبية في المخيم إلى ظهر "الكشك" في آخر الشارع ويهتفوا لفلسطين. في ذات الوقت، أنا مع الكرك والسلط، مع الأنفس الشامخة، مع العقال حين يميل، مع الشيوخ التي تجلس في وسط الدار وتكون هي معقد الحل والربط، مع المدرقة التي ارتدتها أمهاتنا، مع النار التي توقد للضيف.
تلك نظرة ضيقة وسطحية وساذجة، أن تدافع عن الأردن وتدين المقاومة، والأكثر منها سذاجة وسطحية، أن تهاجم الأردن وتعتقد أنك في صف المقاومة. لا أعرف كيف وصلت هذه المعادلات البائسة لصحافتنا وكيف صار البعض يتحدث باسم الوطن والهوية، وكأننا مجرد رعايا، وهم الأمناء على البلد.
لا يوجد أكثر من الهاشميين بذلًا للدم من أجل فلسطين. الحسين بن علي مات أسيرًا لأجلها، وعبدالله الأول ارتقى شهيدًا على عتبات الأقصى، ومجزرة الرحاب في العراق جعلت دمهم زهراً وورداً يفوح على ثرى بغداد، وفيصل ما زال في سوريا قابضًا على سيفه ويقاتل فرنسا.
علينا أن نعيد بوصلة صحافتنا وأقلامنا قليلاً. الأردن لا يحتاج للدفاع عنه في إطار نقد الآخر أو تخوينه، بل يحتاج للقلم الأبيض والقلب الأبيض والسريرة النقية. هذا فقط ما يحتاجه الأردن.