هل تجدد سيناريو الحرب؟
ماهر أبو طير
يتنزل السؤال بقوة حول ما إذا كنا في الطريق الى حرب اقليمية واسعة وممتدة، وهذا السؤال تم طرحه مئات المرات بعد السابع من اكتوبر، لكن توقيته بعد ضربتين يأتي مختلفا جدا.
ضربتان واحدة في بيروت، والثانية في طهران، ولكل ضربة ملابساتها ونتائجها، والجسر الفاصل بينهما مجرد ساعات وفي يوم واحد تقريبا، واستهدافا لمعسكر يرفع السلاح ضد اسرائيل عبر قطاع غزة، وايران من خلال جبهة لبنان، وجبهات ثانية على صلة بطهران.
في البداية تتعلق الاثارة حول ضعف الحمايات الامنية لقيادات حماس وحزب الله، في طهران، وبيروت، اذ لا يعقل ان تتمكن اسرائيل من الوصول اليهم كل مرة، لولا الخروقات الالكترونية، والرقابة على الاتصالات، واجهزة التجسس، واختراق الموبايلات بوسائل مختلفة، حيث اصبح جهاز الموبايل جاسوسا مرخصا، يحدد موقع حامله، ويتم اختراقه للتصوير والتسمع، على مستوى القيادات، او من يرافقها، بما يسهل تحديد موقع الهدف، وهو امر تعرفه القيادات، وللاسف وقعت حوادث الاغتيال في مبان عادية بما يثبت عدم وجود اجراءات احترازية عبر التواجد في اماكن سرية، او آمنة، فوق شبكات التجسس البشرية، وعمليات تبادل المعلومات بين الاجهزة الدولية والاقليمية، والتعاون الفني واللوجستي.
لا أعتقد ان ايران ستقوم برد فعل من نوع مختلف، اذ تعرضت ايران ذاتها لاغتيالات اخطر من قتل شخصية فلسطينية على اراضيها مثل اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والمعلومات كانت تشير الى اغتيال الرئيس الايراني السابق، عبر اسقاط طائرته، بوسائل تقنية متطورة جدا، انتقاما من قصف طهران لاسرائيل، وبرغم ذلك لم تعلن ايران رسميا بشكل موثق او محدد اي اتهامات لاسرائيل، وتجنبت استدراجها لحرب مفتوحة.
الامر ذاته ينطبق على لبنان، اذ قبل اغتيال القائد العسكري لحزب الله، فؤاد شكر، او اصابته، او ايا كان وضعه، في ظل وجود شهداء آخرين وجرحى، لا يمكن التهوين من اهميتهم، تم اغتيال صالح العاروري وهو من قيادات حماس في بيروت، ولم يحدث تصعيد انتقاما لحادثة الاغتيال، واللافت للانتباه ان اغتيال العاروري ايضا تم في مبنى بما يثبت وجود خروقات امنية حددت موقعه، وعدم اتخاذه إجراءات احترازية بعيدا عن التواجد في مبنى او عمارة او مكتب، بما يعرض هؤلاء الى الاغتيالات، شأنهم شأن سابقيهم.
علينا ان نلاحظ ايضا ان التصعيد الاسرائيلي جاء بعد عودة نتياهو من واشنطن، بما يثبت ان كل هذا التصعيد تمت تغطيته بموافقة اميركية، ويقول ايضا ان صفقة تبادل الاسرى الاسرائيليين انتهت كليا، بعد اغتيال هنية، ويشير ايضا الى ان تكتيك اسرائيل تغير بعد عودة نتنياهو من واشنطن، من تجنب الحرب المفتوحة، والاكتفاء بتبادل الضربات، الى توسعة اطار الضربات، وربما استدراج ايران وحزب الله وحماس لحرب كبرى خلال وقت قريب.
علينا ان نتوقع ردود فعل من جانب ايران، وحزب الله، وحماس في توقيتات متقاربة، كون الضربات ضمت كل هذه الاطراف معا، في ذات التوقيت، بما يعني ان تدفق ردود الفعل من ايران والعراق وسورية واليمن ولبنان وغزة محتملة، وفقا لخارطة القوى والتباينات بين وضع وآخر، لكن هناك ادراكا خفيا لدى مراكز القرار السابقة، ان اسرائيل تريد بشكل علني استدراج هذا المعسكر الى حرب كبرى، وهو ما قد لا تريده ايران تحديدأ ولا حزب الله، بشكل حصري، والاشكال في هذه النقطة يرتبط بكون سياسة ضبط الايقاع في هذه الحرب، قد لا يمكن ادامتها حتى النهاية، لان علينا ان ننتظر طبيعة ردود الفعل على الضربات الاسرائيلية، وما سينجم عنها من ردود متوالية قد تؤدي الى سيناريو محدد نهاية المطاف خارج التوقعات.
تغتال اسرائيل هنية في عز التفاوض على الاسرى، منهية كل الصفقة، بما يقود الى توحش اعلى الفترة المقبلة، وتنال من القائد العسكري لحزب الله في بيروت، في استدراج للحزب للرد بشكل عشوائي دون سقوف، بهدف تحقيق مخطط اكبر كان واضحا منذ البداية ان نتنياهو يتبناه، بعد ان تخلى عن سياسة التعايش مع الاخطار، نحو محاولة خلعها من جذورها.
صيف ناري بانتظار المنطقة، خصوصا، ان الرياضيات السياسية تقول ان كل هذه الطاقة من المواجهات المتقطعة والمتواصلة ستؤدي الى نتائج خطيرة، مالم تتوقف حرب غزة.