المغامرة بإثارة حرب أهلية فلسطينية..!؟

{title}
أخبار الأردن -

  علاء الدين أبو زينة

أول من أمس، تناقلت محطات الأخبار صورًا عن قيام أجهزة أمن «السلطة الفلسطينية» بمحاصرة مستشفى في الضفة لاعتقال قائد جريح من المقاومة تطارده قوات الاحتلال. واقترحت بعض التسريبات، أن السلطة فعلت ذلك لأن «الشعب الفلسطيني» طلب منها اعتقال المقاومين لأنهم يتسببون في استفزاز قوات العدو لتدمير البنى التحتية في مخيمات ومدن الضفة. وفي نفس الوقت، تحرك شعب فلسطيني آخر على ما يبدو لفك الحصار عن الجريح المحاصر وإخراجه من المستشفى وتخليصه من أيدي قوات الأمن المدججة بالخوذات والأسلحة.


جاء ذلك بعد أيام من إعلان بكين الذي تحدث عن توحيد الفلسطينيين في هذه المرحلة الدقيقة. وفي الحقيقة، كان يمكن أن يفلت الموقف في المستشفى ويتحول إلى اشتباك مسلح بين أمن السلطة ومقاتلي كتائب المقاومة، وبذلك تقديم أكبر خدمة للكيان الصهيوني. وقد أعربت فصائل المقاومة عن انزعاجها الشديد وطالبت «السلطة» بالكف عن مطاردة المقاومين واعتقالهم، واعتبر بعضها هذا خطًا أحمر، في ما ينذر بإمكانية تفاقم الأمور.


تتصور «السلطة»، مثل كل تكوين يصف نفسه بأنه سلطة، أن الشعب الفلسطيني غبي، لا يعرف مصلحته -مثل كل شعب آخر غبيٍّ دائمًا في الدكتاتوريات- وأن الذين هم في السلطة هو الوحيدون الذين يعرفون المصلحة العامة التي ينبغي فرضها على الناس بالقوة -في حالة فلسطين بأزياء مكافحة الشغب والبنادق التي توفرها أميركا. وعندما تقول كل استطلاعات الرأي الأخيرة في فلسطين أن «السلطة» وسياساتها فاقدة للقبول الشعبي، وأن دعم المقاومة هو خيار الأغلبية، فإنها تطرد هذه الحقيقة بالفكرة الغريبة عن الشعب الأرعن المتهور الذي يعرب عن تفضيلات كهذه في الاستطلاعات.


لو كانت «السلطة» تحترم رأي الشعب الفلسطيني لفكرت في حل نفسها، أو لراجعت نهجها بأخذ رأي الشعب الذي يُفترض أنها تمثله في الاعتبار على الأقل. إنها لا تقوم بحماية الشعب الفلسطيني الذي تعلن تمثيله، ولا تحقق منجزات لقضيته الوطنية منذ نشأتها، ولا تستطيع أن تجمعه على برنامج نضالي، ولا تنجح في كسب قلوب وعقول الفلسطينيين في الشتات. وكان ينبغي أن يكون عدوها الوحيد هو العملاء الذين يرتبون مع سلطات الاستعمار. وفي هذا الوقت الذي يتعرض فيه الفلسطينيون لهجوم مركز، تعتقد أنها تدافع عنه بإدانته وتسخيف مقاومته وتضحياته بدلًا من استغلال الظرف للتركيز على فضح وحشية العدو التي يبرزها كل أنصار الحق الفلسطيني في العالم. لكنها تدلي بأغرب البيانات على الإطلاق في هذه الأوقات.


في بداية الهجمة الإجرامية على الفلسطينيين في غزة، صرحت السلطة بأن المقاومة في غزة «لا تمثل الشعب الفلسطيني»، مع أن هذا يتعارض مع نتائج آخر انتخابات فلسطينية ومع الاستطلاعات المتعاقبة. وبعد ذلك، تواصل السلطة عرض نفسها كبديل يحكم غزة بعد الحرب، أي بعد القضاء على المقاومة هناك وتدمير القطاع وأهله. ومن المعروف أن «اليوم التالي» في غزة كما يتصوره قادة الكيان هو تنصيب سلطة عميلة بوضوح إذا تمكن من الانتصار في غزة بإجبار المقاومة على الاستسلام وتفكيكها وتجريد القطاع من السلاح وإمكانية المقاومة. وقد نأت الكثير من الجهات بنفسها عن المشاركة في مثل ذلك الموضع الذي يجعلها عدوة وأداة قمع للشعب الفلسطيني.


تتصور «السلطة» أن القعود هادئين أمام استعمار استيطاني إحلالي عاكف كل لحظة على إفناء الفلسطينيين، كشرط وجود، يحمي الشعب الفلسطيني من الإفناء. وتتصور أن أميركا و»المجتمع الدولي» والآخرين سيشفقون أخيرًا على الشعب المسالم الذي لا يدافع عن نفسه. وأن «التنسيق الأمني» مع مؤسسة الاستعمار لاستهداف المقاومين سيسحب ذرائع الاستعمار لمواصلة الاستعمار، وسوف ينسحب آسفًا معتذرًا بدافع الشفقة وتبكيت الضمير.

 وأن المقاومة المسلحة هي التي تعيق تحرر الشعب الفلسطيني وتجعله يبدو مشاغبًا وخطيرًا على سلطة الاستعمار ومن تمثلهم. ووفق هذا الفهم، مرت مشاريع توسيع المستوطنات، ومصادرة الأراضي، والضم الزاحف، والإذلال اليومي للفلسطينيين على الحواجز ونقاط التفتيش، وهدم البيوت واعتقال الأطفال، منذ «أوسلو» وحتى اليوم، من دون دفاع من «السلطة». ويصف الكاتب اليهودي ريتشارد روبنشتاين حال السلطة: «كانت الجماعات الفلسطينية تتعلم عدم الثقة... بحسن نوايا السلطة الفلسطينية، التي بدت أنشطة حكمها في الضفة الغربية ليست أكثر من ورقة توت لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية».


لامت السلطة المقاومة الفلسطينية في غزة على تنفيذ عملية «طوفان الأقصى» من دون استشارتها. كيف يمكن استشارة أحد يعلن أن التنسيق مع الكيان الصهيوني مقدس على شاشات التلفزة، عندما يتعلق الأمر بعملية سرية ومفاجئة؟ خاصة إذا كان رجالات السلطة يعلنون أن محاربة المقاومة في غزة واجب؟ ثم وصل الأمر إلى إصدار بيان شديد الغرابة في أعقاب المذبحة المروعة التي ارتكبها الكيان في مواصي خان يونس وأودت بحياة المئات من الأطفال والنساء والرجال هذا الشهر. وبعد إدانة الكيان، لم يستطع كاتب البيان سوى أن يضيف:


«ورغم إدراكنا أن دولة الاحتلال لا تحتاج إلى مبررات وذرائع لتنفيذ جرائمها بحق شعبنا، إلا أنها في الوقت نفسه تستفيد من أي ذريعة تجدها لتبرير ما ترتكبه من جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية بحجة أنها تدافع عن نفسها، ما يجعل أي جهة تقدم الذرائع لها شريكاً في تحمل المسؤولية عما يلحق بشعبنا من مآس ونكبات على يد قوات الاحتلال».


لماذا هذه الفقرة الأخيرة؟ لقد استمعنا إلى إدانات للمذبحة، من القاصي والداني؛ من الكاره للفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية علنًا وسرًا، ولم نسمع أحدًا يدين المقاومة في هذه الحادثة، على الأقل بسبب فداحة الجريمة وعدد الضحايا.

لماذا قد يتطوع فلسطيني بالإشارة للآخرين بأن الفلسطينيين مشاركون في جريمة إبادة أنفسهم؟ كان هذا البيان غير الحصيف تجسيدًا غير متوقع لما يوصف بالمساواة بين الجلاد والضحية. وكان ينبغي للذي كتبه أن يكون مثقفًا بشأن أن المسؤول الوحيد عن كل قطرة دم عربية وفلسطينية أريقت في الإقليم هو الاستعمار. 

ومن البديهيات أن الاستعمار، خاصة إذا كان استيطانيًا إحلاليًا، هو حالة اعتداء دائمة إقصائية وإبادية ولا يمكن أن يستخدم في سياقها وصف قيام الشعب المستعمَر باستفزاز القائم بالاستعمار. الفلسطينيون لم يعطوا الصهاينة ذريعة ليأتوا من أصقاع الأرض لتجريدهم من وطنهم ويستهدفوهم بالإبادة. كيف يمكن لقيادة حركة تحرر أن تلقي المسؤولية عن ذبح شعبها على شعبها؟


بطبيعة الحال، لا يتعاطف العدو مطلقًا مع «السلطة الفلسطينية» مهما فعلت، ورؤوس كل قادتها وموظفيها مطلوبة في نهاية المطاف مثل كل فلسطيني آخر، بمجرد أن يرى أنهم لم يعودوا لازمين لمشروعه. وكما يحدث، تعمل سلطات الاستعمار على إضعاف «السلطة» ثم تلومها على التقصير في حماية الكيان. وستفعل «السلطة» حسنًا إذا عادت إلى الانسجام مع شعبها واحتضنها واحتضنته لأنه الضمانة الوحيدة لحمايتها، وأن لا تغامر بإثارة حرب أهلية واحتمال أن يسقطها الشعب الفلسطيني. 


 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير