الانتقال الكبير.. السياسة المالية في الميزان 4

{title}
أخبار الأردن - رعد التل

السياسة المالية التي انتهجتها الحكومات الأردنية عكست أبرز التحديات الاقتصادية المزمنة التي يعاني منها الأردن، مثل العجز في الموازنات العامة وإدارة الديون الداخلية والخارجية. كما أظهرت محاولات التحول نحو الاعتماد على الذات، من خلال تنمية الموارد الداخلية وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية. بالنظر إلى الحسابات الحكومية، نجد أن حجم الموازنات الحكومية شهد ارتفاعا كبيرا خلال الفترة من 1999 إلى 2023 حسبما تشير وثيقة الانتقال الكبير.

تعتبر الموازنة العامة أداة تعكس جدول أعمال الحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى، وتعبر عن السياسة المالية وأهداف التنمية الوطنية. كما توضح مدى الاعتماد على الموارد الذاتية في السياسة المالية، وحجم العجز المالي الذي يمكن أن يؤثر على تخصيص الأموال الكافية للمشاريع الرأسمالية، مما يضعف قدرة الدولة على القيام بدورها التنموي والاجتماعي. تستعرض وثيقة الانتقال الكبير أيضا، تاريخ تطور الموازنة العامة خلال الفترة 2022-1999، فقد تضاعفت الموازنة أكثر من خمس مرات بالأسعار الجارية، بينما تذبذب العجز السنوي دون المنح والمساعدات. بلغ العجز أدنى مستوياته في عام 2005 بمقدار 40.7 مليون دينار، بنسبة عجز قدرها %1.3 من الإيرادات الكلية، بينما وصل إلى أعلى مستوياته في عام 2020 بمقدار 2.18 مليار دينار، بنسبة 31 % من الإيرادات الكلية. بلغ متوسط العجز خلال الفترة 2009-1999 نحو 9.7 %، وخلال الفترة 2010-2022 حوالي 18.8 %، بمعدل إجمالي على طول الفترة من 1999 إلى 2022 حوالي 14.6 %.

يشير تطور هيكل الإيرادات خلال الفترة 2022-1999 إلى جهود إيجابية، منها تغطية الإيرادات المحلية لكامل النفقات الجارية، وهو من الأهداف الأساسية التي سعت السياسة المالية لتحقيقها منذ عام 2004، مما يعزز الاعتماد على الذات. قصور تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية يؤدي إلى زيادة عجز الموازنة، واضطرار الحكومة للاقتراض الداخلي والخارجي لتغطية هذه النفقات، حسب وثيقة الانتقال الكبير.
تشير الوثيقة أيضا بأن الإيرادات المحلية نجحت في تغطية كامل النفقات الجارية، ما يعرف بـ "مؤشر نسبة الاعتماد على الذات"، ثلاث مرات خلال الفترة 1999-2022، وذلك في الأعوام 1999 و2005 و2006، حيث بلغ معدل التغطية 102-103 %. في السنوات الأخيرة، زادت قدرة الإيرادات المحلية على تغطية النفقات الجارية؛ ففي عام 2016 وصلت إلى 90.1 %، وفي عام 2017 ارتفعت إلى 94.4 %، لكنها انخفضت في عام 2020 إلى 74.4 %، وعادت لترتفع في عام 2022 إلى 90.7 %. 
بناء على ماسبق، يظهر بوضوح أن السياسة المالية الأردنية قد قطعت شوطا كبيرا في محاولة تحقيق الاستدامة المالية والاعتماد على الذات. إلا أن التحديات ما تزال قائمة، وخاصة في مواجهة تقلبات العجز المالي وتأثيرها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. يتطلب المستقبل إستراتيجية متوازنة تجمع بين تعزيز الإيرادات المحلية وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، بالإضافة إلى إدارة فعالة للديون الداخلية والخارجية. إن تحقيق هذه الأهداف يستدعي تعاونا وثيقا بين جميع الجهات المعنية، واستمرار الإصلاحات المالية والاقتصادية لتعزيز قدرة الأردن على تحقيق نمو مستدام وتنمية شاملة.
تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير