السلم المجتمعي ...
أخبار الأردن -
إبراهيم أبو حويله ...
التكاليف التي تفرضها علينا الحياة ستبقى كبيرة ، وأحيانا أكبر من القدرة على التحمل ولكن لا بد منها ومن تحملها من اجل المصالح العليا.
فالعلاقات الإجتماعية في مجملها قائمة على التغافل نعم التغافل ، من حاسب حوسب ، ومن شد شُد عليه ، ومن كان أهلا للسماح تم التسامح معه ، ونحن في التعامل مع الأخر نغرق في التفاصيل والحقوق وننسى العدالة في التعامل ، فما نقوم به نتسامح به انفسنا .
وما يقوم به الأخر يقع ضمن المرفوض مع أننا من الممكن جدا ان نقوم به بدون أدنى شعور بالحرج ، ولكن من باب هذا يحق له وهذا لا يحق له .
قُل لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یَغۡفِرُوا۟ لِلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ أَیَّامَ ٱللَّهِ لِیَجۡزِیَ قَوۡمَۢا بِمَا كانوا يكسبون.. 14 الجاثية
وقفت مع هذه الآية وما تكلم به الشيخ الفاضل ابن عاشور بانها " نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة أصابهم أذى شديد من المشركين ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمرهم الله بالتجاوز عن ذلك لمصلحة في استبقاء الهدوء بمكة ، والمتاركة بين المسلمين والمشركين ، ففي ذلك مصالح جمّة من شيوع القرآن بين أهل مكة وبين القبائل النازلين حولها ، فإن شيوعه لا يخلو من أن يأخذ بمجامع قلوبهم ، بالرغم على ما يبدونه من إِعراض واستكبار واستهزاء ، فتتهَيَّأ نفوسهم إلى الدخول في الدين عند زوال ممانعة سادتهم بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة... " أنتهى كلامه رحمه الله .
المصالح المرسلة هي التي تحقق مصحلة عامة للمسلمين ولا تخالف صريح القرآن و لا السنة ولا تصطدم مع اعراف وعادات المجتمع ، ويبدو أن الفقه الإسلامي وكعادته متقدم بمراحل عن غيره ، ولكن هناك تجاهل كبير للأحكام العامة في الإسلام والتي كان لها دور كبير في تقدم المجتمعات التي تعاملت مع المجتمع المسلم .
نعم بدأ الغرب حديثا يعترف بذلك الكم الكبير لأثر الحضارة الإسلامية والفقه الإسلامي وكتب الإجتماع والتاريخ والحضارة التي ساهمت بها الحضارة الإسلامية ، هذا الكتب والمساهمات لم تكن حصرا على المسلمين في هذه الحضارة ، بل كانت مساهمات حضارية شارك فيها المجتمع بكل أطيافه وأصوله ودياناته .
وأؤكد هنا على هذا الكلام بأن المزيج الحضاري الإسلامي ، إستطاع خلق نماذج يساهم فيها العنصر الحضاري في هذا المجتمع مهما كانت خلفيته وديانته وأصله ، وهذا ما أثرى المنتج الحضاري المسلم ، وجعل هذه الحضارة قادرة على التأثير المباشر وغير المباشر في كل من حولها .
شمولية واستيعاب وتفعيل وأنسنة الحضارة وجعلها أخلاقية ومتقلبة للأخر ومُتقبلة من الأخر هو منتج إسلامي بامتياز ، والغرب لا يعرف الأنسنة ولا الأخلاق ولا حقوق الأخر ولا احترامه وإحترام ديانته ومعتقداته .
إذا السلم المجتمعي أو السلم المدني أو الأمان الذي يشعر به المخالف الذي لا تكون مخالفته سببا في تهديد السلم المجتمعي ، هو في الحقيقية جزء مهم من هذه الحضارة ، وهو سبب في تفعيل وإنتماء وتجانس وتقبل وتعايش عناصر المجتمع بعضها مع بعض .
وهو البيئة المناسبة لإزدهار الأمة وتطورها ، هو تلك البيئة التي يشعر فيها الإنسان بهامش من التسامح والحرية و القدرة على المخالفة ، تلك المخالفة التي تترك هامش للإبداع والعمل والتطور ، ولكنها لا تؤثر على مقومات المجتمع وإستقراره ، نعم قد نتوه في تلك الحدود الفاصلة .
ولكن السلم المجتمعي والأمور التي تؤثر عليها ، يجب أن تكون هي مكان إجتماع ، حتى يكون الإتفاق عليها هو الإساس في التعامل والقبول والمحاسبة .