"أبو سلمية" حراً.. وحياته على رادار الاحتلال

{title}
أخبار الأردن -

بورتريه بقلم علي سعادة

في الحالتين، معتقلا أو حرا، أثار الضجيج حوله.

حين اعتقل كان الأمر صادما للعالم فالرجل طبيب مشهود له بالكفاءة العلمية والإدارية ولا صلة تربطه بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا من قريب ولا من بعيد، وحين أطلق سراحه قامت الدنيا في الكيان الصهيوني ولم تقعد بعد.

محمد أبو سلمية، المولود عام 1973 في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، لأبوين لاجئين من قرية الجورة في عسقلان، درس الطب في جامعة بوغوموليتس في العاصمة الأوكرانية كييف، وتخصص في طب الأطفال، ثم عاد إلى قطاع غزة عام 1998. وفي وقت لاحق حصل على البورد الفلسطيني في طب الأطفال.

عمل بعد عودته إلى فلسطين في عدد من مستشفيات قطاع غزة، فبدأ عام 2000 طبيبا في مستشفى غزة الأوروبي حتى عام 2004، ثم في مستشفى النصر للأطفال حتى 2013، وتولى منصب المدير الطبي للمستشفى نفسه عام 2007.

وسيتولى أبو سلمية ويكنى "أبو خالد"، إدارة مستشفى الرنتيسي للأطفال عام 2015، وبعدها أصبح مديرا لمستشفى الشفاء عام 2019 أكبر مؤسسة طبية داخل قطاع غزة .

عمل على تطوير مستشفى الشفاء بجميع أقسامه، إذ بدأ مشروع ترميم مبنى الولادة القديم. كما طور قسم الطوارئ الجديد الذي أصبح القسم الأكبر على مستوى الضفة وغزة والقدس. كما عمل على تطوير الكوادر الطبية والتمريضية الإدارية العاملة في المستشفى.

وكان في طريقه قبل العدوان لتطوير قسم الأشعة التداخلية، الذي يعتبر من أحدث الأجهزة على مستوى العالم، بتمويل من الرابطة الفلسطينية الطبيبة الأميركية (بي إيه إم إيه).

وكان يسعى إلى توطين زراعة الكلى في قطاع غزة، كما أصبحت للمستشفى القدرة على التعامل مع عمليات جراحية كبرى ذات مهارة عالية كانت في السابق تحول إلى خارج قطاع غزة.

كما عمل محاضرا في جامعة الأزهر والجامعة الإسلامية حتى تاريخ اعتقاله.

ومنذ العدوان الإسرائيلي على غزة تعرض المستشفى للقصف شبه اليومي، والذي انتهى باقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للمستشفى وتدمير منشآته وجرف باحاته، وعزله تماما بقطع الكهرباء والإنترنت عن قطاع غزة بأكمله.

وما لبث أن قام الاحتلال باعتقاله وعدد من الكوادر الطبية في تشرين الثاني الماضي.

وكان أبو سلمية قد رفض إخلاء المستشفى وترك المرضى بناء على طلب من الاحتلال بعدما رفض أمرا سابقا مماثلا، إذ تم إجلاء مئات المرضى والنازحين إلى مستشفى آخر جنوبي القطاع، إضافة لنقل العشرات من الأطفال الخدج.

وقررت سلطات الاحتلال اعتقال أبو سلمية دون توجيه أية تهمة له وقالت : "نحن نستجوبه لكونه كان مديرا لمستشفى يقع فوق شبكة إرهابية بكاملها، كيف له ألا يعرف ما كان يحدث؟".

وزعم الاحتلال أن مستشفى الشفاء هو مركز القيادة الرئيسي لعمليات "حماس" في قطاع غزة، وهو ما تنفيه الحركة، وفتشت القوات الإسرائيلية مباني المجمع الطبي على مدار أيام ولم تجد فيه أية أدلة تدعم مزاعمها.

وتم نقل أبو سلمية للتحقيق من قبل الوحدة 504 التابعة للمخابرات العسكرية وجهاز الأمن العام (الشاباك).

وفي وقت سابق قال جيش الاحتلال في بيان: "تم الكشف عن شهادات عديدة حول استخدام المستشفى الذي يديره كمقر قيادة لحماس".

وزعم الاحتلال أن حماس "استغلت موارد كبيرة في المستشفى من بينها الكهرباء لتقوية شبكة الأنفاق بالإضافة إلى تخزين وسائل قتالية عديدة داخله وفي محيطه".

وكان الهدف الحقيقي من وراء اقتحام مجمع الشفاء واعتقال الأطباء والمسؤولين فيه هو تدمير أحد أبرز مكونات القطاع الصحي في غزة لحرمان الفلسطينيين من أية فرصة للعلاج والنجاة وحتى الإيواء.

بالطبع كان موقف المنظمات الدولية سلبيا، ولم تقم بأي جهد عملي لمعرفة مصير أبو سليمة، واكتفت منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي بالقول بأنه "لا معلومات حول مصير أبو سلمية"، داعية إلى "احترام كامل حقوقه" وهي عبارة توحي بإسقاط مسؤوليتهما المهنية والأخلاقية عن سلامته، ونوع من "رفع العتب".

وحين دخلت هذه المنظمات مستشفى الشفاء بعد نحو 30 يوما اكتفت بأداء دور حفار القبور وإحصاء الشهداء، وبالقول إنه تحول إلى "منطقة موت".

ودون سابق إنذار أفرج الاحتلال عن أبو سلمية بعد تعرضه لتعذيب شديد طيلة فترة اعتقاله.

وفي أول تصريحات له عقب الإفراج عنه  قال أبو سلمية: "وضع السجون مأساوي وصعب جدا، لم يمروا بها منذ بداية الاحتلال عام 48 والأسرى أمانة في أعناق الجميع ويجب تبييض السجون في أسرع وقت".

وكشف أن الكثير من الكوادر الطبية استشهدوا تحت التعذيب داخل السجون.

وقال أبو سلمية إن الاحتلال تعامل مع الأسرى كأنهم جمادات والأطباء كانوا يضربوننا، والأسرى يتعرضون لصنوف من التعذيب، ولمدة شهرين لم يأكل أي أسير سوى رغيف خبز واحد يوميا.

خرج أبو سلمية دون توجيه تهمة له رغم محاكمته 3 مرات، وكان الاحتلال يقتحم الزنازين بشكل يومي، وخلال العدد يجري الاعتداء بالضرب على الأسرى بشكل يومي.

وأحدث الإفراج عن أبو سلمية موجة غضب في أوساط الاحتلال، وسط مطالبات بإقالة رئيس "الشاباك" باعتباره المسؤول عن إطلاق سراحه، وبأن "قرار الإفراج عنه علامة عار أخلاقي وبصق في وجوه الأسرى". التحريض الإسرائيلي على أبو سلمية يثير مخاوف جدية على حياته.

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان حذر من احتمال إعادة اعتقال الطبيب أو سلمية أو استهدافه وقتله بشكل مباشر ومتعمد، على أثر حملة التحريض التي أطلقها كبار المسؤولين الإسرائيليين ضد إطلاق سراحه.

حياة أبو سليمة  لن تكون بأمان بعد أن شاهدنا هذا الاحتلال المجرم الفاشي يمارس جميع أنواع الجرائم التي لا تخطر على قلب إنسان أو شيطان.

حياة "أبو خالد" مهددة كما هي حياة كل فلسطيني على أرض فلسطين التاريخية في ظل حكومة تمارس دور العصابة والقتلة والمختلين عقليا.

تابعوا أخبار الأردن على