المسؤول بين المسؤولية الأدبية والقانونية...

{title}
أخبار الأردن -

ابراهيم ابو حويله ...

الموضوع ذو شجون والعالم اليوم يسير مسرعا في وضع وصف للوظيفة ، وكل الوظائف في القطاع العام والخاص يجب أن تكون محددة بوضوح ، بحيث يعرف الموظف ما هو مطلوب منه تحديدا ، وبعد ذلك يجب وضع محددات للإداء ، بحيث يدرك هل حقق الهدف المطلوب منه أم أن هناك أنحراف صغير او كبير بناء على هذه المحددات ، وهل هو في وضع حقق فيه التوقعات أم تجاوز هذه التوقعات ، ومقدار هذا التقدم أو التراجع . 

العبارات الفضفاضة والمجاملات لا تصنع انجازا ، وكم شاهدنا من اولئك الذين دخلوا إلى الوظيفة العامة ، ومكث هناك أعواما وعقود بدون انجاز يذكر ، ومن ينكر ذلك عليه ان يعيد حساباته جيدا ، فالامر يتجاوز الظاهرة ، ولكن في المقابل هناك فئة حملت كل شيء على عاتقها ، وعملت بجهد وجد ، وكانت النتيجة أن عائد هذه الجهود كان فيه ظلم واضح ، فهذه الفئة التي تجلس بدون عمل يذكر أو انجاز تأخذ كما يأخذ هذا المجد والعامل ، وفي احيان اخرى يصيب نجيب محفوظ فيأخذون نصيب المجتهد . 

عقدة العمل العام هي عقدة قديمة قدم الزمان ، حيث أن هناك فئة تستطيع الإستفادة من جملة من العلاقات والاختراقات والوصول إلى أهدافها على حساب غيرها ، وهناك فئة لا تحسن هذه الأساليب ، طبعا نعود هنا إلى نقطة أساسية جدا في التعامل المجتمعي والتصنيف المجتمعي هي عقلية الإنسان العربي .

وعقلية الإنسان العربي التي يجب ان تنضبط بضوابط الحضارة والمدنية والدين ، فهذه الثلاث تتفق على الانصاف والعدل والمكافأة بناء على العمل ، والترفيع بناء على الإستحقاق ، وتحارب المحسوبية والواسطة ، بل ويجعل الدين محاربة الظلم هو المقصد الإساسي والأسمى له ، وجعل الظلم الذي  هو وضع الشيء في غير موضعه سببا في العقوبة والخسارة ، فعندما تضع الانسان في غير مكانه فقد ظلمت ، وعندما تمنح هذا الإنسان ما لا يستحق فقد ظلمت ، ومقصد الشرعية الأسمى هو اقامة القسط في الأرض . 

ولكن لماذا ومقصد الديانات هو العبادة ، لماذا يحدد الدين الإسلامي تحديدا واضحا أن السموات والأرض والكتب السماوية والرسل هدفهم هو إقامة القسط والعدل والميزان في الأرض ، كما في سورة الحديد .

"لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡمِیزَانَ لِیَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِیدَ فِیهِ بَأۡسࣱ شَدِیدࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزࣱ" .

لأن الأرض تحتاج إلى خليفة يا سادة ، خليفة لا يقدم مصلحته ومصلحة جماعته ومصلحة من يهتم لأمرهم على مصلحة الأخرين ، لأن ذلك هو بداية النهاية لأي مشروع ديني أو حضاري أو مدني ، وهذا تحديدا ما يجعل المجتمعات تكبر وتنمو وتتطور وتصل إلى مفهوم الإستخلاف الذي أراده الله من الإنسان في الأرض .

 مسؤولية الإستخلاف هي ان تقوم بواجبك ووظيفتك على هذه الأرض حسب الوصف الوظيفي الذي وضعه الله لك ، قائما بالعدل ومحسن وقوي ويد عليا وآمر بالمعروف وناه عن المنكر ، لست بالإناني ولا النفعي ولا المتعصب ولا عديم الخلق ولا شديد القسوة ، عندها تسقيم الوظيفة العامة والجندية والإمارة والمسؤولية الأدبية والأخلاقية والإجتماعية والإنسانية .

عندها سيقف القائد وهو يرى بعين الجندي ، ويقف الأمير وهو يرى بعين المواطن ، ويقف المسؤول وهو لا يضع نصب عينه ما يدخل في جيبه ، وما يصل إلى جماعته ، ولكن يحرص على اداء الأمانة كما أرادها الله منه ، عندها لن تحاسب نفسك على KPI’s  ولا Job Description  .

 ولكن ستقوم بالعمل على أساس الإستخلاف والإحسان والإتقان ، وعلى اساس المعية والرؤية المباشرة من خالق الأرض والسموات ، عندها فقط برأيي تحقق ما أراد الله منك .

 فالله لم يرد البشر ملائكة مخصصة للعبادة ، ولكن العبادة حسب ما أرى وضعت ليستطيع الإنسان القيام بمسؤوليته الأخلاقية والإجتماعية والدينية على هذه الأرض ، ليست مقصدا بذاتها ، فمقاصد الشريعة مختلفة ، ولها مكان اخر للنقاش ، ولكن الخلافة والخليفة والقائم في هذه الأرض ، والساعي فيها بالعدل والإحسان والإتقان هو الهدف ، " أني جاعل في الأرض خليفة ".

عندها من الممكن أن تجد وزيرا يستقيل لأن الوزارة حققت الهدف فقط ، ولكنها لم تحقق مفهوم الإحسان والإتقان ، وعندها ستجد مسؤولا يقدم استقالته لانه استنفذ ما عنده ولم يعد قادر على أن يعطي المزيد ، عندها من الممكن ان تجد مسؤولا يرد إليك راتبه لأنه لم يحقق  الهدف الذي يسعى له مع أن أهداف الوظيفة تحققت  . 

صناعة الإنسان هي صناعة الدين والحضارة والمدنية والمسؤولية الإجتماعية والأخلاقية .

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير