منتصر غرايبة ذو القلب الطيب يغادر بصمت

{title}
أخبار الأردن -

بقلم محمود خطاطبة

لن أبدأ بعبارات مستهلكة، كتلك التي تقول: «لقد استعجلت الرحيل»، أو «رفقًا بنا أيها الموت»، أو «غادرنا مُبكرًا».. فمثل هذه الكلمات أو العبارات لا تُقدم ولا تؤخر، عندما يأتي أجل أي إنسان وأقدار الله عز وجل، فالموت حق وعندما يأتي لا يُفرق.

لكن سأتحدث، وإن طال حديثي فلن أوفيه حقه، عن إنسان دمث، صاحب خلُق، مُهذب، مؤدب، ذي ظل خفيف، ترك أثرًا بكُل من تعامل معه، أو صادقه، أو زامله في عمل.. إنه الأخ والصديق والزميل منتصر غرايبة، الذي لبى نداء ربه فجر يوم الاثنين الماضي.

رحل الصديق، بقلب طيب، لا يعرف ضغينة أو حقدًا أو حسدًا، لكنه كان مُثقلًا بهموم، كان لا يبثها إلا لخالقه جلّ وعلا، مع حزن يُراوده بين فينة وأُخرى، لكنه كان مُطمئن القلب، راضيًا بقضاء الله وقدره، لا يزيغ فؤاده عن قول حق، ولو على نفسه، في وقت قلّ فيه أو انعدم من يقولون الحق، أو حتى يلمحّون إليه، أو يُشيرون إليه بأطراف أصابعهم.

رحل وفي قلبه أثقال الخذلان، وهموم شاقة، كان يحاول دائمًا إخفاءها بابتسامة، ولهج بالحمد، حتى تظنه أنه إنسان بلا هموم، فكان بالكاد يتحدث عنها، وإن تحدث بعد إلحاح لا تجده إلا صابرًا محتسبًا للأجر.

هُناك في مدينة إربد، وكلما سنحت لنا الفرصة، كُنا نتمشى في شوارعها وبين أزقتها، بُعيد المساء بقليل، نتبادل أطراف الحديث، وما يجول في قلبينا، وما يحدث في وطننا العزيز، وفي المنطقة ككُل، خصوصًا فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، وما يتعرض له الأهل هُناك، من قتل وتدمير وتجويع، وعقوق الأشقاء قبل الأصدقاء لهم.

وفي أحيان أُخرى، كُنا نذهب صباحًا في أيام الإجازات، مشيًا على الأقدام، لتناول طعام الإفطار في أحد مطاعم إربد الشعبية، وبعدها نعود أدراجنا كُل إلى بيته، بعد أن يكون كُل منا قد فرّغ ما لديه من متاعب الحياة في أُذن الآخر.. وأثناء «مشينا»، كُنت دومًا أُخطئ في اسم بِكره، إيلينا، عندما أسال عن أخبارها وشقيقتها، وكان دومًا يُصححني «يا رجل إيلينا.. إيلينا يا رجل»، مُتزامنة مع ضحكة تخرج من قلب سليم.

يُغادرنا إلى رحمة الله، إنسان عرفته عن قرب بأنه لا يُحب الاستغابة أو النميمة أبدًا، فقد كان لسان حاله يقول دومًا إن ذلك من المُحرمات أولًا، ثم يقع في باب «العيب»، وقلة الأخلاق.. ولا أُزكي على الله أحدًا.

فإذا كان التحقيق الصحفي الأخير للمرحوم بإذن الله، منتصر، الذي نُشر في صحيفة «الغد» في اليوم نفسه الذي فاضت فيه روحه الطاهرة إلى بارئها تحت عنوان «رحلات نحو المجهول لباحثين عن أحلام قد تنطفئ قبل الوصول»، فإنه حتمًا وبكُل يقين قد ذهب في رحلة لا تعرف المجهول أبدًا، لا بل واضحة المعالم.

ذهب منتصر، صاحب القول الحق، والمُحافظ على مبادئه، الذي نشأ وترعرع عليها منذ نعومة أظفاره، إلى من خلق العدل وأوجده، فهو الآن في رحلة لا تعرف الظلم أبدًا، ولا تعرف النقصان أبدًا.

نم يا أخي وصديقي قرير العين، فأنت الآن عند ملك الملوك، حيث لا يحكم أحد بملكه إلا بما أراد سبحانه وتعالى، وسيُحاسب الجميع على كُل شيء، حتى لو كانت «حبة خردل».. فهذا حال أنقياء السريرة، وأصحاب المبادئ، والشرفاء، يُغادرون دومًا بصمت!.

صحيح أن الموت فاجعة لا يعتادها البشر بسهولة، وخصوصًا الأهل، وستبقى قاسية، إلا أن ما يهوّن علينا كبشر أن جميع الخلق سيذوقون مرارته.. رحم الله منتصر، أبا إيلينا، وألهم زوجته وابنتيه وشقيقه وشقيقاته الصبر والسلوان وحسن العزاء.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير