لماذا تحتاج إلى الإقلاع فورا عن التدخين؟
حسني عايش
في البداية دعونا نعرّف التدخين: التدخين إشعال دزينات من الورق الناعم الصغير المليئة بالتبغ، ثم وضعها في الفم، ثم نفث الدخان عبره أو عبر الأنف أو عبر كليهما في أفواه وعيون وأنوف الآخرين، واستقبال ذلك منهم. إن كنت مدخناً أو مدخنة فإنك تحتاج إلى الإقلاع فوراً عن التدخين للعوامل التالية:
أولاً: أخلاقياً وتربوياً: لأنك الأب المدخن، أو الأم المدخنة، أو الأخ المدخن، أو الأخت المدخنة في الأسرة، تحبون أطفالكم، وكذلك كل مدخن/ة وبخاصة المعلم /ة الطبيب/ة ، فإن عليكم كمدخنين أو مدخنات طرح هذا السؤال على أنفسكم: هل التدخين عادة ضارة، أم عادة حسنة /مفيدة؟ إذا كنتم ترونها عادة ضارة فلماذا تدخنون؟ إنكم بذلك تلحقون الضرر بالأطفال في الأسرة والناس مرتين: مرة من احتمال تقليدهم لكم بالتدخين، ومرة من إلحاق الضرر بهم من التدخين السلبي أو غير المباشر، فهل ترغبون فيهما؟ هل تحبون الأطفال والتلاميذ والتلميذات والناس المختلطين فيكم. إذا كنتم تحبونهم فعلاً فإنكم بحاجة إلى الإقلاع فوراً عن التدخين، وإلا كنتم بالتدخين تكرهونهم ضمناً أي أنكم لستم قدوة حسنة لهم كما تعتقدون. إذا كان التدخين عادة حسنة / مفيدة كما يبدو عليه الأمر بمواصلتكم له، فلماذا تمنعون أطفالكم وتلاميذكم وتلميذاتكم ومرضاكم منه؟ لماذا لا تشجعونهم عليه؟ لماذا تضِيفون الأصدقاء والضيوف والضيفات والزملاء والزميلات به، وتمنعون أطفالكم... منه ولا به تضيفونهم مثلهم؟ إنكم في نظرهم– مثل سياسة الضرب في مدارسنا مزدوجو الأخلاق سيئو التربية والتعليم ، وحتى لو دخنتم في السر عنهم فإنهم يكشفونكم. ولما كان الأمر كذلك فكن شجاعاً وشجاعة وقرر/ي فوراً الإقلاع عن التدخين كما تفعلا في صيام رمضان أو في صوم الأربعين.
ثانياً: صحياً: أثبتت تجارب علمية مخبرية وإحصائية عديدة أن التدخين بأشكاله وصوره ضار جداً بصحة المدخن/ة، وأن له علاقة قوية جداً بجملة من الأمراض مثل أمراض الرئتين، وارتفاع مستوى ضغط الدم، وانسداد الشرايين، واضطراب الدورة الدموية نتيجة إصابة الأوعية الدموية، وتراكم المخاط في الجهاز التنفسي، وضعف التذوق والشم، وعدم انتظام دقات القلب، واحتشاء عضلته في المدى الطويل من التدخين، والسرطان بأنواعه مثل سرطان الرئة، وسرطان الفم، وسرطان البلعوم، وسرطان المستقيم، وسرطان الكبد، وسرطان البنكرياس، لأنه يوجد ارتباط بين التدخين والسرطان بنسبة ثمانين بالمائة أو أكثر، وأنت كمدخن/ة لا تعرف في أي من الطرفين بالتدخين تكون وتنتهي.
إنّ حرق التبغ الموجود في السيجارة والأرجيلة / الشيشة، أو في الغليون، أو في السيجار يؤدي إلى انتاج أول أكسيد الكربون لأن التبغ يحتوي على الكربون، وبحرقه أي بالتدخين يحل الكربون محل الاوكسجين بالدم، والاكسجين مصدر الحياة والطاقة بل إنه الروح الذي ما إن ينفد من الدماغ يموت الإنسان.
ربما لا يدري كثير من المدخنين والمدخنات أن التدخين يُضعِف في المدى الطويل حاستي الشم والتذوق، لأنه يؤدي إلى إضعاف وحتى إلى إتلاف الاعصاب الذوقية في اللسان والشمية في الأنف، ويجعل من الصعوبة على المدخن/ة تمييز المذاق والروائح. كما يضعف التدخين النشاط البدني عند المدخن ويجعله ميالاً إلى الكسل والخمول.
والمعروف أن التدخين يضعف قواك العقلية، ولا يساعدك على الاستقرار العقلي. كما أنه يعيق نموك الجسمي، ويُفقد المدمن قوة الإرادة والقدرة على التركيز. ولما كان المدخن/ة هو المسؤول/ة عن هذه الحالة فيجب أن لا يتقدم على غيره في التوظيف والعلاج كما تفعل السويد على سبيل المثال.
ثالثاً: الإدمان: إنك بحاجة ماسة إلى الإقلاع فوراً عن التدخين قبل أن تدخل مادته في دمك وتدمن عليه وتصبح أسيراً أو عبداً له وتستميت للحصول على السيجارة أو الأرجيلة... وربما تبيع ساعتك أو هاتفك الخلوي، أو التلفزيون في الدار للحصول عليها. وكله على حساب رفاهية الأسرة واستقرارها. وأخيراً قد يتم القبض عليك وتوضع في السجن عندما تتعاطى المخدرات أو يتسبب سكرك بإحداث شغب.
رابعاً: المخدرات والمسكرات: عندما يفقد المدخن بالإدمان تأثير التدخين عليه يستميت ويتصرف كالمجنون بحثاً عن بديل أقوى من التدخين، فتندفع لتعاطي المخدرات أو المسكرات. وكله لاحظته في زميل كان مديراً معلوماً لمدرسة عامة ضخمة، ولكنه فقد شخصيته وأسرته بالإدمان على التدخين ثم بالإدمان على تعاطي المخدرات والمسكرات. لم أستطع ثنيه بل لا تستطيع قوة ثنيه عن ذلك بعدما أصبح أسيراً أو عبداً لإدمان هذا وذاك.
خامساً: العجز البيولوجي: قد يؤدي التدخين، أو تعاطي المخدرات أو السكر بك إلى عجز صحي لدرجة عجزك عن قضاء حاجتك البيولوجية بنفسك، فتقضيها تحت الفراش، وتنتشر «ريحتك» المنتنة في البيت، وتقرف منك أمك، أو زوجتك أو زوجك، او أطفالك، أو أبناؤك، فيدعون الله لأخذ وداعتك بسرعة، وأنت حتماً لا تتمنى الوصول إلى هذه الحالة أو المرحلة المؤسفة، فأقلع عن التدخين أو المخدرات أو السكر فوراً قبل أن تصيدك وتقع في شركها.
سادساً: البعد السياسي: للتدخين وتعاطي المخدرات والمسكرات بعد سياسي يبدو أنك لا تدركه وإلا ما واصلت التدخين فاعلم إذن أن معظم التبغ الذي يوجد في السيجارة، أميركي، يصرف العرب عليه أكثر من عشرين بليون دولار سنوياً يذهب قسم منها على شكل مساعدات عسكرية أميركية لإسرائيل تستخدمها لإبادة الشعب الفلسطيني. بتدخينك أو باستهلاكك لما هو أميركي لا لزوم له يعني مشاركتك لأميركا في دعم إسرائيل وفي إبادتها بالجملة والمفرّق لشعبك، وأنت تظن أنك تقف إلى جانبه. إن الإقلاع عن التدخين يوفر لبلدك مئات الملايين من الدولارات وإنقاذك الأسرة ومساعدة بلدك مالياً أولى بالفلوس التي تنفقها على هذا الشيء السام، كما أن الاقلاع عنه يزيد في الانتاج والإنتاجية والابداع والابتكار.
ظل الناس في الماضي يدخنون لأنهم كانوا يعتقدون أنه لا ضرر من التدخين وأنهم يستمتعون بالتدخين، إلى أن دخلوا في القرن العشرين، حيث تدخل الباحثون مخبريا وإحصائياً وتبين لهم ضرره كما هو مبين في هذه الورقة. صار على المدخنين والمدخنات أن يقرروا بين التمسك بمتعة التدخين وبين الإقلاع عنه لتجنب أمراضه الكثيرة المحتملة.
سابعاً: تذكر أن للتدخين أثراً قبيحاً، أي أثرا غير جمالي على وجهك، فهو يجعل أسنانك صفراء مثلاً، وخديك مجعلكين، ورائحة فمك سيئة، أو يدك ترتجف، أو مدمناً لشرب القهوة مع السيجارة، فيتضاعف الأذى. لقد أدمن الأستاذ المتميز في علم الفيزياء في الجامعة د. ع. ش على التدخين، وكان يشرب ثلاثين فنجاناً من القهوة أو أكثر إلى جانبه كل يوم، فمات مبكراً، رحمه الله.
هذا المقال ضد التدخين وليس ضد المدخنين، فلكل منهم الاحترام ما خلا الذين يتسببون سادية أو غباء بحرق الغابات بأعقاب سجائرهم.
ثامناً: ماذا يحدث عندما تقلع عن التدخين»؟
• تظهر الإيجابيات الأولى بعد عشرين دقيقة من الإقلاع عن التدخين بانخفاض معدل ضربات القلب وعودة مستوى ضغط الدم إلى طبيعته.
• وبعد مضي 8 ساعات يبدأ مستوى الأوكسجين في الدم بالارتفاع ومستوى أكسيد الكربون السام بالانخفاض إلى النصف تقريباً.
• وبعد 48 ساعة أي بعد يومين من عدم التدخين تتعافى حاستا الشم والتذوق، كما يبدأ الجهاز التنفسي بالتخلص من المخاط المتراكم فيه.
• بعد 72 ساعة أي بعد ثلاثة أيام من الإقلاع عن التدخين يصبح التنفس سهلاً نتيجة بداية تعافي الحويصلات والقصبات الهوائية التي تهيجت بطانتها وتضررت بالتدخين. وعندها يشعر المدخن/ة السابق/ة بمزيد من النشاط لأن مستوى الأوكسجين في الدم يرتفع.
• وبعد أسبوعين سيحدث تحسن في الدورة الدموية بشكل ملحوظ، وكذلك تحسن في تدفق الدم عبر القلب والعضلات.
• وبعد ثلاثة أشهر يتحسن عمل الرئتين بنسبة 15 % في المائة. كما سيخف السعال، وضيق التنفس، ومشكلات الجهاز التنفسي الأخرى تدريجياً.
• وبعد مضي عام على الإقلاع عن التدخين ينخفض خطر الإصابة باحتشاء عضلة القلب و أمراض القلب الأخرى إلى النصف مقارنة بالمدخنين.
• وبعد مضي عشر سنوات ينخفض خطر الموت بسرطان الرئة إلى النصف مقارنة بالمدخنين، فسارع إلى الإقلاع فوراً عن التدخين. كن قدوة صالحة في الأسرة والإدارة وللأصدقاء والزملاء والناس (موقع روسيا اليوم/ الغد في 10/5/2024).
لعلّ أفضل ما أنصح به المدخنين والمدخنات المقلعين عن التدخين من متوسطي الحال الذي يستأثر التدخين بكثير مما بأيديهم، هو شراء حصالة/ قجة قوية، ووضع ما كان ينفقه الواحد منهم على التدخين فيها يومياً وبانتظام، وإخفاء المفتاح مع أحد أفراد الأسرة المعادين للتدخين، تفتح الحصالة ليلة العيد وتجعل العيد عيدين، وهكذا.
وأخيراً: أنت حر/ة والقرار لك.