الندى والسيف ....
إبراهيم ابوحويله ...
في ضوء الإزمات الأخيرة التي تعاني منها الامة اليوم هناك شقان ، شق يتعلق بالناحية الإنسانية والمعاناة المرتبطة به ، وهذه للأسف يحرص دائما المحتل والمستعمر على زيادة تكلفتها من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء ، حتى يعمل على إنشاء عقل جمعي يرفض التحرر ويخشى منه
من قدم العاطفة على العقل خسر الكثير ، ومن كان حسابه للأمور بالخسارة التي يقدمها فقط خسر أكثر.
وهناك شق أخر متعلق بتقدير التضحيات وتحديدها للتعامل مع الأزمة ، وتحديد التكلفة المقبولة المرتبطة بها ، وهنا على المفكرين والعقلاء إعادة برمجة العقل الجمعي للإمة لتحمل التكلفة والخسائر ، إذا كانت في سبيل الوطن والتحرر والمستقبل الأفضل .
لأنه كما قلنا عندها لا تعتبر الخسائر مهما كبرت كبيرة فهي مرتبطة بالهدف الأكبر ، وهو الذي يحدد حجم الخسائر المقبولة .
فالعاطفة في الازمات لا يجب أن تكون هي المسيطرة، ولكن صوت العقل وأهله وإلا ظل المحتل محتلا.
لن يتحقق الإستقرار حنى تقدم العقل على العاطفة ، وفي القصة القوم والكلب الرمزية التي فيها عبرة بالغة ان كل المصائب حلت على القوم عندما قدموا التسامح على الغضب ، في موطن يجب فيه تقديم السيف على الندى كما يقول المتنبي ، ولكن العقل يرى تجاوزا وحدودا وتسلطا وعدم تقدير وعدم خوف وغيره الكثير ، لذلك لن تستقيم الأمور إلا اذا كانالقوم فيهم سيف يخشاه العدا .
لا يجب أن يتعامل السياسي مع الاحداث كما يتعامل العسكري ووالوزير ، فهذا يتألم لطفل فقد أباه أو لأم فقدت طفلها ، أو لتلك العائلة التي ذهبت ظلما ، ويتألم لحجم الموت في المدنيين والأطفال والنساء والعجائز والأبرياء ، ومن لا يتألم لهذا الحال ليس بإنسان .
ولكن الأمة التي تريد السلامة لا تحصل عليها للأسف ، وتدفع ثمن السلامة من أرضها ومالها وأبنائها ، وهذا هو حال التاريخ ولذلك قالوا من لم يستعد للحرب فلن يرى السلام .
فعندما زار جمال الدين الأفغاني الهند ووجد ان الإنجليز يستعمروهم قال مستغربا لو بصق الهنود على الإنجليز لأغرقوهم .
وهذا هو حال الأمة التي تستكين وتبحث عن السلم والسلامة ، هي تدفع أضعاف ذلك من قوتها ومالها وإبنائها ، ولن يرضي المستعمر في المقابل مع كل هذا الثمن المدفوع .
لقد إستمر إستعمار بريطانيا للهند مائتي عام سرقوا خلالها كل شيء المال والكنوز والأرض وثرواتها والإنسان وجهده ، حتى أنهم كانوا يأخذون المواد الخام ويصنعونها بأيدي الهنود ، ثم يعيدونها إليهم ويبيعونها بأضعاف مضاعفة ، وأحتكروا اصناف مختلفة عن طريق شركة الهند الشرقية ومنعوا بيعها او الإتجار بها إلا من خلالهم ، فزاد حال الأمة الهندية فقرا وجوعا ، وزادت ثروات بريطانيا أضعافا مضاعفة .
وما عرف عالمنا العربي الأرز إلا من خلال الإنجليز، هم الذين ادخلوه وجعلوه طعاما اساسيا في حياتنا لانعاش تجارته وجعلوا له سوقا كبيرا .
نعم دخلت بريطانيا في ضائقة مالية بعد إنتهاء الإستعمار ومصاعب كثيرة يطول شرحها ، من بطالة وشح في المناصب إلى عدم وجود عبيد لينفذوا مهامهم اليومية والزراعية والصناعية ، وكل ذلك كان بسبب تكلفة الإستعمار البسيطة بالنسبة للمستعمر والتكلفة العالية بالنسبة للذي وقع عليه الإستعمار .