المنسف والمنظومة الثقافية الأردنية

المنسف والمنظومة الثقافية الأردنية

كتبت : د. مريم ملهي

انتشرت في الآونة الأخيرة عدة ممارسات تستهدف الوجبة الرئيسية لأهل الأردن إلا وهي وجبة المنسف فبدأ الترويج لفكرة " منسف الكاسة" ثم " بيتزا المنسف" إلى أن خرج علينا إعلان مسف من أحد المطاعم ليقدم وجبة المنسف بطريقة أقرب ما تكون " لطاولة العلف " أجلكم الله ، هذا الإعلان جاء كصفعة قوية للمتلقي الأردني ينبئ بمدى التطاول على قيم ومرتكزات الشعب الأردني الثقافية .

وللأسف فأن طبق المنسف ليس الموروث الشعبي الوحيد الذي تم استهدافه ، ولكن فلنعد بالذاكرة قليلاً لنجد الكثير من قيمنا أصبحت تهدر بطريقة مستفزة دون الوعي الكافي لذلك ، ومن أمثلة ذلك مصطلح " يرحم جدك " وهو مصطلح أصبح يتداول بكثرة بقصد الاستهزاء من الشخص المقابل دون العلم بأن أجداد الأردنيين هم الصناع الحقيقيين لدولة الأردن الحديثة الحرة المستقلة ، أجدادنا من وهبوا أرواحهم دفاعاً عن هذا الوطن وهم عنوان الشرف والكرم والتضحية والغيرة والوفاء .

كما كثرت فيديوهات التندر على الأمهات وانتقاد تصرفاتهن وحرصهن على إدارة موارد البيت والمحافظة على الترتيب والنظافة والخوف على الأبناء وأساليبها في التربية ، كما يظهر لنا الكثير من المتندرين على الأب وعلى كيفية تعاطيه مع أبناءه ونقده للمصاريف الزائدة وحث الأنباء على الدراسة والعبادة وما إلى ذلك ، كل هذه الفيديوهات التي يطلقها علينا بعض الجهلاء تحت عنوان " صناعة المحتوى ، ما هي إلا نوع من عقوق الوالدين ، وتحريض الأجيال المتلقية لهذا المحتوى على ذلك .

ومن التجاوزات التي نشهدها انتشار الفيديوهات التي تظهر الكثير من الرجال بلا شخصية وتظهر النساء بشكل متسلط وبالرغم من ظنهم أنه محتوى فكاهي إلا أنه محتوى يشوه صورة الأسرة الأردنية الحقيقية التي يعتبر بها الأب الركيزة الأساسية التي لها كل الاحترام والوقار إضافة إلى تصوير الحياة اليومية للكثير من العائلات واستخدام الزوجات والبنات كوسيلة للكسب المادي دون النظر إلى الكارثة المجتمعية الناتجة عن ذلك ، كما أن الكثير من صناع المحتوى الرجال يميلون إلى نشر فيديوهات الطبخ وهو من الأمور الغير محببة بأن يكون أغلب المحتوى على الأنترنت عن الطبخ فيما يوجد الكثير من المواضيع التي يمكن أن يتناولها الرجل غير الطبخ .

 وتكثر التجاوزات على قيم الأردنيين كأن أصبح الشماغ الأردني محزم على خصور فرق الدبكة ، وأصبحت النساء تقود الجاهات ، كما خرج علينا موديلات من الشرش المطرز ولكنها قصيرة ودون أكمام وهو تعدي صارخ على حشمة الثوب الأردني ، كما أصبحت اللزاقيات تلف بطريقة لا تتناسب مع طريقة التقديم الأردنية وهي شبيه في ذلك مع تقديم المنسف بكاسة سفري ، وعلى سيرة كاسة السفري فأن من أبرز الخروقات صب القهوة بكاسة سفري بكمية كبيرة لم يعتد عليها أباءنا إذ كانت القهوة تصب في الفنجان بمقدار رشفتين فقط ، وأصبحت بيوت الشعر تستخدم في مراكز الزوار بالناطق السياحية لبيع بعض المشغولات على السواح الأجانب. 

كل هذه الخروقات وغيرها مما نشهده اليوم على تراثنا وثقافتنا ما هو إلا محاولة لسلخ الأجيال الناشئة عن تاريخها العريق ، هو نوع من الجهل بقدسية هذا التراث أو محاولة لصناعة النكتة بأساليب تمس من قيمنا المجتمعية الأردنية ، فالقضية ليست قضية منسف ، بل أعم وأشمل من ذلك كونها تمس الهوية الوطنية التي تميز الأردني عن غيره من شعوب الأرض ، ولو أن أي إنسان في هذا الكوكب تعرض للإساءة بقيمه وتراثه سوف يكون رده بذات الطريقة أو أكثر ..


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).