ما هو مستقبل التصعيد بين حزب الله وإسرائيل؟
الدكتور عمر الرداد
منذ انطلاق طوفان الأقصى وتلكؤ حزب الله بالدخول في المعركة إلى جانب حركة حماس، وسيل الأسئلة لا يتوقف حول موقف الحزب وكيفية مشاركته بالحرب، وفيما إذا غدرت إيران ومعها حزب الله بالمقاومة الفلسطينية وحماس، رغم نفي زعيم الحزب" حسن نصرالله" بأن حزبه وطهران لم يكونا على علم مسبق بالعملية، إلا أن هذا النفي بقي في دائرة الشكوك حتى من قبل حماس والجهاد الإسلامي بالإضافة لمصادر استخباراتية غربية، سربت معلومات حول الاجتماعات التحضيرية للطوفان بقيادة الحرس الثوري الايراني، وتطرح اليوم معلومات حول جدالات في أوساط اسرائيلية،لا سيما بين المستويين العسكري والسياسي حول التعامل مع حزب الله، حيث يرفض سياسيو الليكود واليمين المتطرف طروحات العسكريين بأنه لا يمكن التفرغ لحزب الله الا بعد الانتهاء من رفح، عبر تاكيدات بقدرة اسرائيل على شن حروب على عدة جبهات.
وبالرغم من استمرار المواجهات التي انطلقت لاحقا بين اسرائيل وحزب الله، وبالرغم من تنوع مستويات التصعيد ، والتي اسفرت عن تهجير متبادل للسكان شمال اسرائيل وجنوب لبنان، وتوسع الضربات الاسرائيلية ضد كوادر حزب الله وقادته الميدانيين، ووصول الاستهدافات الاسرائيلية الى معاقل حزب الله في البقاع والتي تبعد عن الحدود بحوالي 100كم داخل لبنان، الا ان الاطار العام الذي يحكم هذه المواجهات ما زال اقرب لالتزام الطرفين بما يعرف بقواعد الاشتباك، اذ يعتبر الطرفان انهما لم يتخذا قرارات حاسمة بالمواجهة، فما زال الخطاب التحذيري من قبل الطرفين مشوطا ب "اذا" التي تحولت الى لازمة مشتركة في خطاب الطرفين، وهو ما يؤكد ادراكا عميقا بان المواجهة الشاملة بين الحزب واسرائيل، ستكون اكثر اتساعا وتعني ان الحرب ستكون مع ايران بصيغة او باخرى.
ولعل ما يؤكد ان الطرفين ما زالا عند الالتزام بقواعد الاشتباك أن تصعيد حزب الله خلال االاسبوع الماضي ما زال في اطار تكتيكي، وجاء ردا على هجمات إسرائيلية أكثر عمقًا وشدة، كما يهدف لدخض المزاعم الإسرائيلية بالحاق اضرار كبيرة في صفوف الحزب، والتاكيد من قبل الحزب بانه على استعداد لمواصلة المواجهة،كما ان الحزب يدرك ان هناك اختمالات للوصول الى هدنة على جبهة غزة، وان مفاوضات ستجري على جبهته مع اسرائيل،وبهذا التصعيد يحاول الحزب تحسين موقعه التفاوضي باثبات استمرار قدرة عالية على تهديد الامن الاسرائيلي.
ومع ذلك فان تصعيد حزب الله غير بعيد عن طهران التي ارادت إرسال رسالة مزدوجة لأطراف الصراع، مفادها نفي التشكيك باستقرار الاوضاع الداخلية في ايران، بعد الشكوك في الظروف التي احاطت بسقوط طائرة الرئيس الايراني "رئيسي" وما يتردد حول خلافات داخل الاوساط القيادية الايرانية،بما فيها اوساط التيار المتشدد، فيما يبدو ان ايران استشعرت ان هناك امكانية لهدنة بين اسرائيل وحركة حماس، وان دورا فاعلا للاطراف العربية الفاعلة "مصر، السعودية، الامارات، والاردن" ربما يكون على حسابها في عنوان ما بعد الحرب في غزة.
على صعيد اخر، فان احتمالات الحرب الشاملة بين حزب الله واسرائيل لا تبدو خيارا استراتيجيا لا لأمريكا المشغولة بانتخاباتها الرئاسية،ولا لايران المنشغلة بترتيب أوضاعها الداخلية على وقع انتخابات ستحدد اتجاهات الجمهورية الإسلامية ومستقبلها، ولا بالنسبة اسرائيل التي تعاني انقسامات وخلافات عميقة بين المتطرفين والاحزاب العلمانية، ورغم ذلك فان احتمالات ان يخضع سيناريو الحرب مع لبنان لحسابات اسرائيلية خاصة بنتنياهو واليمين المتطرف تبقى قائمة، فالعلاقة بين بايدن ونتنياهو وصلت الى مستويات غير مسبوقة من التناقضات المعلنة، وبعضها سابق للسابع من أكتوبر 2023، وهو ما يعني ان اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو ربما يذهب لخيار توسيع الحرب ، وتحقيق المفاجأة الاستراتيجية، بحيث يتم رفع مستوى المواجهات بمبادرة اسرائيلية وبصورة اكثر مما عليه اليوم، وإثبات مقاربة الانفصال بين جبهة لبنان وجبهة غزة، لكسب مزيد من الوقت لحين اجراء الانتخابات الامريكية ومواصلة رهانات الليكود واليمين الاسرائيلي على امكانية فوز الجمهوريين"ترامب"، بالاضافة لتاخير اية محاسبة على تقصير السابع من اكتوبر، واطالة عمر الحكومة الحالية التي تخضع لتهديد بالحل في حال اتخاذ قرارات مرنة تنسجم مع مطالب واشنطن.
وفي الخلاصة، فإن احتمالات التصعيد او التهدئة على الجبهة اللبنانية مع حزب الله تبدو واردة بكلا الحالين، رغم ان التصعيد وحربا محتملة ما زالت مرفوضة بالنسبة لواشنطن والاوربيين الداعمين لاسرائيل، وعليه فمن المؤكد ان قرار الحرب مع حزب الله لن يكون قرارا مرتبطا بالطرفين فقط،بل ان اطرافا دولية واقليمية ستكون جزءا من القرار، فيما ستكون مآلات حرب غزة بالاضافة الى مستقبل الصراع السياسي الداخلي في اسرائيل بين المتطرفين والعلمانيين محددا في قرار الحرب والتهدئة مع حزب الله.