جريمة منظمة وتجهيل متعمد
مالك العثامنة
هما سرديتان في موضوع واحد لضيق مساحة المقال.
يكتب الشاب الألمعي بالغ التهذيب والمعرفة حسين الصرايرة في صفحته على الفيسبوك، إدراجا منفعلا لكنه مليء بالإضاءات المعرفية، وأنا شخصيا استفدت منها الكثير ونبهتني إلى أن المعرفة ليست قابلة للتوريث من جيل لجيل وحسب، بل تزداد ثراء مع الجيل اللاحق وتواترها استحقاق معرفي.
بانفعال "مفهوم ومبرر بالغيرة المهنية والوطنية على الأقل" يتحدث الأستاذ حسين الصرايرة منتقدا معالجة الجميع لظاهرة "الهجرة غير الشرعية" للأردنيين إلى الولايات المتحدة، والتي أصبحت حديث الأخبار والبيوت والصالونات.
الدولة ممثلة بسلطاتها في واد "غير ذي زرع" بعيدة عن الحالة وملابساتها، فلا وزير ولا مسؤول ولا جهة تتحدث عن الحكاية المؤسفة التي صارت موثقة باسم مواطنين أردنيين هاجروا بشكل غير شرعي فتلقفتهم مواطن الهجرة بكل قسوتها وشراستها حتى تاهوا خلف الأطلسي الكبير ولا أحد يتحدث.
القصة ليست بأفراد محدودين، بل بعدد لافت ومؤشراته خطيرة اجتماعيا وسياسيا، ويضيف الصرايرة مؤكدا في إدراجه أن هؤلاء ليسوا ممن ألقتهم الحاجة أو الفقر، بل مجملهم موسرون متعلمون لكن سبل "إثبات الذات" مغلقة في وجوههم حد اليأس في الأردن، رغم كل برامج التنمية والإصلاح بكل مشتقاته "السياسي والاقتصادي والإداري".
ويستطرد المهندس- الذي احترف النشاط السياسي والمعرفي والتدريبي- في إضاءاته، ليتحدث عن نقطة أجدها حيوية ومحزنة حول واقع الإعلام الذي أثبت أنه فعلا "واقع".
في تعريفات مهمة للصحافة الاستقصائية لا أختلف مع الصرايرة فيها، انتقد المعالجة الإعلامية اليتيمة لقناة واحدة تناولت الموضوع من باب "السبق" لا أكثر، أمام صمت الإعلام المدفوع من خزينة الدولة.
يقول المهندس المتخم بالمعرفة والوعي واصفا "بانفعال مبرر" هذا الصمت بقوله".. عيب، أن وسائل إعلام مدعومة من الموازنة العامة لم تتحدث عن الأمر حتى اللحظة، والأعداد المهاجرة ليست هينة وتشكل بالفعل ظاهرة تستحق الدراسة، ستقولون "الاستقصاء يحتاج وقتاً" وهنا تأتي التهمة الأخرى للمؤسسات الرسمية التي تحتاج سنوات ضوئية لفهم الاتصال الإستراتيجي، ولا تصريح من وزارة "المغتربين" ولا تعليق من سفاراتنا وقنصلياتنا، ولا تصريح من وزارة الاتصال الحكومي؟!).
وبعد سرد مستطرد وطويل " ومفيد بالنسبة لي" يستنتج حسين الصرايرة ما أتفق معه فيه بقوله: (الصحافة والإعلام في الأردن بكل أطراف معادلتها، يرتكبون جريمة بحق الناس، بلا تدفق المعلومات، ولا البحث عنها، ولا تداولها ولا تحليلها، جريمة تدمر الوعي والبنى الفوقية، وهمها إما أن تسوق للفشلة أو تترك المجال لمهابيل السوشل ميديا الذين يجمعون لايكات، وعادي لديهم أنهم يدعون الناس للهجرة، للجريمة، للمجهول، ولا أحد يحاسبهم ألا يوجد قانون جرائم إلكترونية جديد مرتب شامل كامل.. أو يسأل ما الخطاب المقابل لهم أو البديل لقرفهم المنتشر..)
طبعا حسين مدرب محترف وناشط سياسي ومعرفي مهم وله لغته الرصينة في عمله المعروف لدى كثيرين منا، لكنه اختار قفلته بلغة تناسب "الفيسبوك" والتواصل الاجتماعي بسخرية تضج بالمرارة معلقا على معالجة مأساة ظاهرة الهجرة الأردنية غير الشرعية فيقول:
(..كوميونيكيشن إكسبرتس أند سبشلست، جورنليست، إنفلونسر، أوبنيون ليدر.. مجرمون كلكم!
احكوا مع الناس مشان الله!).
هذا موضوع مهم وخطير وهو جريمة منظمة لها دلالاتها الاجتماعية الأكثر خطورة وقد تكون على مساس بالأمن السياسي لو تضاعفت المشكلة بدون دراسات وحلول واستقصاء "علمي أو صحفي" حقيقي ورصين.
وشكرا للمهندس حسين الصرايرة على إضاءاته في هذا الموضوع وقد تعلمت منها الكثير، فهل من مستمعين في نخب الدولة وإعلامها بكل فروعه.