معيار الدولة الناجحة (2-2)

{title}
أخبار الأردن -

حسني عايش

اللامساواة في الثروة أو في الدخل الفردي حقيقة اجتماعية، واليوتوبيا تهدف إلى القضاء عليها. ولكن أنّى ذلك، فهي تشتد وتمتد وتضعف النمو الاقتصادي بتنشيط الاستهلاك ومكافأة الفساد، وغياب العدالة كما يفيد شارما. غياب المساواة أو على الأصح تباين الفرص القبلية والبعدية بين أبناء وبنات البلد الواحد. يشكل إعاقة لمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية والصحية والاقتصادية والاجتماعية.. بينهم في جميع منافع الاقتصاد.


ومن أسباب ذلك قيام النخبة الحاكمة أو المتحكمة بإدارة الدولة لصالح فئة معينة، وتوجيه التمويل والاستثمار بعيدا عن تقليص الهوة القبلية والبعدية وعن أكثر الأعمال كفاءة وإنتاجا وأهدافا استثمارية.

يؤدي تركز الثروة في أيدي قلة خاصة أو مقربة إلى تمرد بقية الناس وتقهقر الاستثمار والثروة العامة. وإذا وصل الأمر بهذه القلة إلى الاستحواذ أو الاحتكار، فإنه قد يؤدي إلى انهيار الاقتصاد. وتبلغ اللامساواة ذروتها باستيلاء هذه القلة على الأعمال الخاصة وبزيادة الضرائب، وبتوسيع الحكومة أو الإدارة العامة لأبنائها وبناتها بحجة مساعدة الفقراء وتوسيع الأعطيات لهم.
لا يعني هذا معاداة تعليم الفقراء، فالحق في التعليم والحق في الصحة واجب على الدولة، ولكنه يتطلب إزالة السلبيات قبلياً أو مسبقاً أو اعانتهم مالياً وإدارياً لإزالتها.
كما لا يعني معاداة الأغنياء الذين حصلوا على ثرواتهم بالريادة في الابتكار والاستثمار، ولا يجوز توجيه سهام الاتهام والحسد والغيرة والشجب لهم. يجب توجيهها للحيتان والفاسدين الذين يثرون دون أن يكونوا منتجين. يحترم الناس في البلدان التي تقدر العمل والإبداع والابتكار والمثابرة المليونير أو البليونير النظيف ويعتبرونه بطلاً.
إذاً فالمشكلة ليست كيف نقضي على هؤلاء الاثرياء النظيفين ونصادر ثرواتهم، وإنما كيف نقضي على الحيتان والفاسدين، وكيف نضيق الفروق بين الناس، وكيف نجعل الفرص متكافئة بينهم كي يستمر الاقتصاد في النمو والازدهار، وكيف نبقي المجتمع سليماً وسالماً وموحداً، فالتمييز في الفرص وخدمات الدولة يهدد الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي، وربما السياسي أيضاً.
كل هذا وذاك يتوقفان على إدارة الحكومات للاقتصاد، ومن ذلك تحديد حصة الحكومة من الإنفاق إلى الدخل القومي، وفيما إذا كان هذا الإنفاق يذهب إلى غايات إنتاجية أو يستخدم للمحاباة أو لأغراض سياسية.
يصبح الإنفاق الحكومي مشكلة إذا تجاوز ثلاثة في المائة من الدخل القومي، وإذا زاد عن ذلك فإنه يعني تحويل الحكومة إلى حكومة من الموظفين الذين يداومون ولا يعملون مع أن الدولة فقيرة أو على طريق النمو. عندئذ ستضطر هذه الدولة إلى زيادة الضرائب والاستدانة لدفع رواتب الموظفين والمتقاعدين. ولكنها بذلك تدفع رجال الأعمال إلى الهرب، والمستثمرين إلى الابتعاد والدائنين على إجبارها على اتباع سياسة اقتصادية معينة يحددها البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، والقاعدة حسب شارما أنه كلما ارتفعت نسبة إنفاق الحكومة إلى الدخل القومي زادت الضرائب، وساءت الخدمات أو قلّت.
الدول النامية البازعة أخرت برامج الرفاهية، وجعلت نسبة إنفاق الحكومة إلى الدخل القومي متدنية ووجهت الاستثمار إلى البنية التحتية والتصنيع.
وأخيراً انظر إلى كيفية استخدام الحكومة للموازنة والشركات العامة والبنوك وأموال الضمان الاجتماعي، تعرف فيما إذا كانت تُستخدم للنمو وضبط التضخم أم لأغراض أخرى؟
في المقال السابق ذكرت أن المستقبل غير يقيني، وأن الماضي كذلك غير يقيني. وأضيف الآن أن الحاضر هو الوحيد اليقيني لأنه معلوم، دون أن يعني ذلك أنه على حق أو صواب. إنه مستقبل الأمس، وأمس الغد. وأنك إذا أردت مستقبلاً معنياً فاصنعه اليوم بالمقدمات أو المدخلات أو القرارات اللازمة لذلك وإلا صنعه غيرك لك. فالمستقبل كالماضي يؤثر في الحاضر، وكما يقول أستاذ الإدارة المعروف بيتر دراكر (1909 - 2005) لا يتعامل التخطيط طويل المدى بقرارات المستقبل بل بمستقبل قرارات الحاضر.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير