تواصل مضبوط على الوعي
مالك العثامنة
كانت المشاركة في جلسة حوارية مفتوحة في سياق جلسات منتدى تواصل الذي نظمه مؤسسة ولي العهد تجربة مثيرة ومليئة بالإضاءات التي نحتاجها جميعا لفهم تلك "الخمس وعشرين سنة المقبلة" التي تحدث عنها ولي العهد نفسه في مقابلته الأخيرة مع قناة العربية.
الجلسة التي تشرفت بالحديث فيها بمعية نخبة زملاء وأساتذة أحترمهم، كان عنوانها الثقة بين المواطن والدولة.
العنوان نفسه يعطي التباسا بالمفاهيم صار سائدا ومنتشرا، فالدولة في مفهومها الحقيقي هي المواطن نفسه، وربما كان الأدق أن نتحدث عن تلك الثقة المفقودة بين المواطن والسلطة، أو الحكومة في حال تضييق إطار السؤال، وهذا يقودنا إلى تفكيك المفاهيم وإعادة تركيبها من جديد في الوعي الجمعي لنعود إلى تلك المفاهيم الأساسية التي تتعلق بالدولة ككيان جامع أكبر من السلطة والحكومة، ومفاهيم المواطنة التي تتطلب حقوقا تقابلها واجبات على مسطرة دستور ينظم العلاقات في الدولة وتنبثق من روحه القوانين والتشريعات التي ينتجها المجتمع عبر تفاعل سياسي أساسه المشاركة التي ستكون عبر ممثلين أفراد أو أحزاب.
حينها، إذا استقامت تلك المعاني والمفاهيم في الوعي، وانضبطت بدون التباسات في المعنى فإن الثقة بين المواطن والسلطة سيرتفع منسوبها ببساطة لأن المواطن نفسه حينها سيكون شريكا في صناعة القرار وجزءا من السلطة في عملية تداول لتلك السلطة مبنية على أسس ديناميكية دستورية.
واقع الحال اليوم، مختلف جدا. والثقة تكاد تكون معدومة بكل ما يتعلق بالسلطة والحكومات والمؤسسة التشريعية، وهذا من أسبابه حالة الفراغ التي تكرهها الطبيعة وكذلك تكرهها السياسة.
هذا الفراغ الذي لم يجد المعلومات بسبب غياب الشفافية وتعدد المرجعيات في نخب السلطة في الدولة ملأته الضبابية والإشاعات والأخبار المضللة، وصار بوسع أي تدخل "عبثي أو منهجي" ان يرمي للرأي العام أي تضليل مقلق على صيغة معلومة تربك الدولة ومؤسساتها.
كل ما ورد أعلاه تشخيص للحالة من وجهة نظر المتحدثين "وأنا منهم"، لكن المفاجئ ان جيل الشباب الذي التقيناه في منتدى تواصل كان على درجة من الوعي لإدراك كل ذلك مسبقا، ولديه ذلك الإدراك لقراءة نفسه وحاضره والتطلع إلى ذلك القادم في مستقبله بأدوات تواصل معرفية ثورية يتقن استخدامها بمهارات تتجاوز تصوراتنا.
منتدى تواصل، استطاع بهدوء وثقة وتهذيب أن يتجاوز كل أدواتنا التقليدية في التواصل، وقفز فوق "التواصل الحكومي" والرسمي بكل ما فيه من تكدس بيروقراطي وأفكار "قاع الصندوق" ليخرج من الصندوق كله ويشير إلى "الخمسة وعشرين سنة قادمة" بثقة بعيدة عن كل ارتباكات نخب الدولة ومناكفاتها "وصناديقها" المليئة بالحيل القديمة منتهية الصلاحية.