ضرب المعلم أو الوطن ...
إبراهيم أبو حويله
ستبقى الكلمات كلمات ، وكل الأفعال التي نقوم بها إذا لم تنعكس بشكل عملي على الواقع فلن يحدث التغيير ، المعلم والطالب والأهل والمجتمع ، أين هي المعادلة القادرة على حل المعضلة القائمة هنا ، هل هي كمعضلة الإنتخابات ، تحتاج إلى حلول سحرية ، ويركض بعض من أدرك أهميتها خلفها لغاية في نفس يعقوب، وبعض من له منفعة رفعها علّ وعسى أن تصيبه بركة من بركاتها ، ومن خسر فيها حط منها وجعلها السبب في كل ما نعيشه .
الموضوع كما هي المواضيع الإجتماعية كلها شائك ومعقد في غاية التعقيد من جهة ، وسهل بسيط من الممكن بسهولة حله من جهة أخرى ، ولكن القاعدة في العلاقات الإجتماعية كلها قائم على أساس بداية سليمة نهاية سليمة ، وإذا حدث خلل في أي مرحلة من المراحل تصبح الأمور أصعب فأصعب ، وهكذا هي الحالة في المجتمع ، فالبداية الخاطئة هي نهاية عصية على الحلول .
لبنة سليمة هي الأساس وهذا البناء يتعامل مع من حوله على أساس الحقوق والواجبات ، طبعا هنا يجب أن نتكلم عن أسرة واعية تدرك ما تضع في رأس هذا الطفل الذي هو مشروع مواطن المستقبل .
وأن التعبئة السلبية أو الإيجابية ستنعكس على هذا الجيل ، وأنه لن يصلح بحال أن تغرس في رأس هذا الطفل كل السلبيات الموجودة في العالم ، والأخفاقات الموجودة في هذا الإنسان نفسه ، وكل تلك الأمور التي لم تستطع ان تحققها لأسباب مختلفة .
ومنها طبعا ما يتعلق بالإنسان نفسه وامكانياته وقدراته ، ومنها ما يتعلق بالمجتمع وهذا التنافس الطبيعي فيه ، ومنها ما يتعلق بالأخر الذي هو في صورة ما نحن ، ومنها ما يتعلق بالحكومة سلبا أو إيجابا ، وكيف أن البعض يضع كل سلبياته واخفاقاته وأحلامه التي لم تتحقق على كاهل الحكومة وأنها السبب فيما آلت اليه الأمور .
ثم طبعا تلك المحاولات الجادة والمستميتة ، من قبل الكثير من الاهالي والذين يسعون لتحقيق الطبيب أو المهندس ، أو المسؤول البارز أو التاجر الحاذق في هذا الطفل ، بصرف النظر عن امكانياته وقدراته ، وبصرف النظر عن الوضع المادي .
وبصرف النظر عن أن أي مجتمع يحتاج إلى نسبة من المتعلمين الجامعيين ، ونسب أخرى كل بحسبه من الشعب والجمهور والأخر ، الذي يقوم بباقي الأعمال التي نحتاجها جميعا، والتي لا نريد نحن أن نكون من هذه الفئة من الشعب طبعا التي تقوم بهذه الاعمال ، وهذا حق لكل انسان أن يضع لنفسه أهدافا كبيرة .
ولكن الشيء الطبيعي في كل مجتمعات الدنيا ، ان فئة قليلة هي التي تحقق الاهداف الكبيرة ، وهذا توزيع طبيعي ولكننا نحن نرفضه طبعا ، لأننا نريد توزيعا غير طبيعي ولا عادل ، وهذا ليس عيبا في احد في الحقيقة ولا هو مثلبة ، ولكنه الأمر الطبيعي في البشر ، ولكنه لن يتحقق لا في المجتمع ، ولا في اي مجتمع ، ولم يتحقق في التاريخ ، وهل يجب ان تقف حياة الإنسان في الوطن عند تحقيق هذه الأهداف التي لن تتحقق .
الوطن يجب ان يبقى هو الوطن بصرف النظر عن أنني تمكنت من تحقيق أهدافي أم لا ، وهنا مربط الفرس ، نحن مجتمع في الاغلب يعاني احباطا ويحمل على عاتقه حملا ثقيلا ، فالطفل يسعى لأن يحقق حلم الأب والأم والجد والجدة وباقي العائلة ، ولكن الظروف شاءت أن تكون معلما ، فهنا تدخل الغرف الصيفية محبطا ، ولن نتكلم عن المواقع الأخرى في المجتمع طبعا فالنتيجة واحدة .
والطالب محبط ويحمل حملا ثقيلا ، ورب الأسرة محبط والعائلة محبطة ، وهنا نتعامل جميعا مع بعضنا على أنك أنت السبب فيما وصلت إليه أنا ، فالبعض يرى كل من حوله مسؤول عمّا وصل إليه هو ، فلا مساحات ولا أعذار ولا تسامح ولا أخلاق ، وهنا عند أقل مشكلة صغيرة تخرج كل هذه الأحمال إلى المجتمع ، وأصبحنا نراها في صورة تزداد عنفا كل مرة .
فرق بين الحلم والتقبل والواقع والأخر والمجتمع والوطن ، إذا رأيت نفسي أفضل وصاحب الحق المطلق في كل ما أسعى إليه ، وكل ما لا أستطيع الوصول إليه هو في الحقيقة حق ضائع أو هو حق ضاع .
هذه النظرة هي طريق الكآبة لا محالة ، والحقيقة أن مظاهر هذه الكآبة بدأت تنتشر في المجتمع وتستدعي تصرف من مجموعة من المختصين لوضع الحلول المناسبة لها .
ولكن ما يعنني هنا هو أنك أنت كتبت على نفسك أن تحيا حياة ليست حياة ، لا ولن تحقق لك هذه الحياة السعادة ، علما بأن المسؤول والطبيب والمهندس وصاحب الشركة وصاحب المال ، لا يعني بأي حال أن يكون سعيدا ، فقد تكون حياته سوادء مليئة بالكآبة ، ولكن فرق بين من يرى ومن يعيش .
ومن الممكن ان تكون حياة الإنسان البسيط المحاط بمن يحبه ومن يسعده ومن يهتم لأمره ، هي الحياة التي يجب أن نسعى إليها جميعا ، بصرف النظر عن طبيعة وشكل الأشياء المادية والمسميات المترفة التي نراها براقة ونسعى لها ، والتي لا نعرف تماما ما يرافقها .
نعم أنا هو الأخر في نظرة سريعة ، هو ما تراه في تلك المرأة التي تنظر إليها كل صباح عندما تغادر بيتك .
عندما يسعى الإنسان الفرد المواطن لأن يحقق أهدافا إنسانية ، ويسعى لنشر الخير والعدل والمحبة بين الناس ، بصرف النظر عن المسمى والأموال ، التي من الممكن أن تكون سببا للسعادة أو التعاسة فهي وسيلة ، ولن تكون في يوم غاية تحقق بذاتها ما لا تستطيع أنت أن تحققه لنفسك .
عندما تصبح المسميات والأموال والحروف التي نضعها قبل أسمائنا أهم منّا وممن حولنا ، ونسعى إليها بشكل مجرد لأننا نريدها ، بصرف النظر عما تحققه لنا ، عندها دعني أبشرك بأن الحياة التي تسعى إليها هي التعاسة والكآبة والإحباط وكراهية الأخر ومنافسته والحقد عليه .
وعندما لا يتحقق لك ما تعسى إليه أو عندما يسبقك الأخرون إليه ، عندها تغلق الدنيا في وجهك أبوابها ، ونحن في الحقيقة من أغلقنا الأبواب ، وكرهنا الأخر والوطن لأننا نسعى لأحلام من الصعب تحقيقها .
هل يستطيع أحد أن يحمل كل هذا الحمل ، ويحب ويعطي ويسعى في خدمة الأخر ، أم أن هذه المصطلحات تحتاج إلى أن ننظر إلى ما لدينا ، إلى ما حققه الأباء والأجداد لنا ، هل يستطيع أي وطن على وجه هذه الأرض أن يعطي كل منّا حلمه ويحقق له أماله .
المجتمعات تقوم بالمحبة والعطاء وتقبل الأخر سواء كان أخا أو إبن عشيرة أو منطقة أو وطن ، وعندما يتوفر لك عمل أي عمل ، فأنت تستطيع من خلال الحب أن تجعل هذا العمل منتجا متقبلا متطورا .
وأن تحمل الأخر ليحقق الأخر حلمك أنت لا حلمه هو ، أنت تكسر الحجارة لتبني وطنا ، سواء كنت معلما أو موظفا أو عامل نظافة ، فرق بين من يسعى لتنظيف الوطن ، وبين من ينظف ما ألقاه الأخرون في الطريق لانهم كسلة قذرون لا يعرفون معنى أن انحني لانظف قاذوراتهم .
عندما تُعلم أبنك بأن يحترم المعلم ، ويحترم العامل ، ويحترم المواطن في كل المواقع ، وأن الوطن يقوم بهم جميعا ويحتاج إليهم جميعا ، وأن سعادة الإنسان قائمة في أن يكون إنسانا بصرف النظر عن شهادته ووظيفته ومكانته ، وان المجتمع يحتاج إليه كما يحتاج إليك ، وكم قدم أباؤنا لنا ، وهم بدون مسميات ولا شهادت ، ولكنهم رجال يستحقون بالغ الإحترام والتقدير والمحبة ، فهل تعني الشهادات والمسميات شيئا مع ما قدموه .
عندما نحمل هذه الروح لن تجد طالبا يلقى القمامة في الطريق أو يضرب معلما ، فضلا عن أن تجد أباء يشتركون مع أبنائهم في ضرب الوطن أقصد عفوا معلما .