إسرائيل في قبضة الجنائية الدولية.. رسائل متعددة
كتب نبيل السهلي
طلبت المحكمة الجنائية الدولية أخيراً إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكذلك مذكرة اعتقال أيضاً لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، ويوجه الطلب رسائل في عدة اتجاهات، أهمها إدانة إسرائيل بشكل مباشر لأول مرة منذ إنشاء إسرائيل قبل ستة وسبعين عاماً في ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني.
زيف الرواية الغربية
رغم تأخر إدانة نظام الإبادة الجماعية إسرائيل من قبل محكمة الجنائية الدولية، الا أن طلب مذكرات الاعتقال من قبلها أخيراً لمجرمي الحرب نتنياهو وغالانت، كشفت بشكل جلي زيف الرواية الغربية والإسرائيلية بأن إسرائيل واحة الديموقراطية في الشرق الاوسط، وبالعودة إلى عبارة أول رئيس وزراء إسرائيلي بن غوريون الشهيرة "إن الوضع في فلسطين سيسوى بالقوة العسكرية" يكون اختزل أهم المنطلقات الإستراتيجية لإسرائيل والحركة الصهيونية لاحتلال فلسطين، وتهويدها في نهاية المطاف وتالياً حقيقة الدولة الوليدة على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه الوحيد فلسطين. فكانت المجازر المنظمة من قبل التنظيمات الصهيونية والجيش الإسرائيلي ضد أهالي القرى الفلسطينية، أبرز عنوان للتوجهات الصهيونية والإسرائيلية، من أجل حمل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الرحيل عن أرضهم وإحلال اليهود مكانهم. وبينما كان عرب فلسطين غير مستعدين للحرب على الإطلاق وغير مسلحين في الغالب، وفي وضع دفاعي، شنت منظمات «الهاغانا» و«الأرغون» و «شتيرن»، ضربات هجومية منسقة ضد المدنيين العرب في المدن الرئيسة الثلاث، حيفا والقدس ويافا، وكذلك في الريف الفلسطيني. فتمت المجازر المنظمة وحدث تدمير المنازل، لحمل العرب على الرحيل. لم تبدأ المجازر في عام 1948 كما يشاع، ففي ليلة 15 تموز /يوليو 1947، دخلت قوة للـ «هاغانا» بستان الحمضيات الذي يملكه رشيد أبو لبن، ويقع بين يافا وبتاح تكفا. وكانت عائلة من سبعة أشخاص نائمة داخل منزلها وتسعة عمال آخرين نائمين خارجه. ووضعت القوة المهاجمة عبوات ناسفة، وأطلقت النار، فقتلت 11 عربياً بينهم امرأة وبناتها الثلاث اللواتي كانت إحداهن تبلغ من العمر سبع سنوات، والثانية ثماني سنوات، والابن ثلاثة أعوام. وفي 29 أيلول /سبتمبر 1947، هاجمت «الهاغانا» أيضاً، سوق حيفا فدمرت متجر أحمد دياب الجلني بعبوات ناسفة، وفي 12 كانون الأول /ديسمبر1947، دخلت قوة من «الأرغون» ترتدي بدلات عسكرية بريطانية، بلدة الطيرة في قضاء حيفا، وقتلت 12 عربياً وجرحت ستة آخرين. وبعد يوم من هذه المجزرة ألقت عصابة «الأرغون» قنابل على تجمعات عربية عند باب العامود في القدس، فقتلت أربعة من العرب، وفي اليوم نفسه هاجمت تلك العصابة الصهيونية مقهى عربياً في مدينة يافا، في شارع الملك جورج، وقتلت ستة من العرب، وتبعاً لأرقام إحصائية، استشهد في 13 كانون الأول / ديسمبر في كافة المدن الفلسطينية من جراء المجازر الصهيونية المنظمة 21 مدنياً عربياً. وتابعت العصابات الصهيونية مجازرها المنظمة في القرى الفلسطينية المختلفة. لكن المجزرة الأكبر كانت في 30 كانون الأول / ديسمبر1947، حين رمت جماعة من "الأرغون" صفيحتي حليب تحويان قنابل على مجموعة من نحو مئة عامل فلسطيني، كانوا واقفين أمام مصفاة النفط في حيفا لتسجيل أسمائهم للعمل، وقتل في الهجوم ستة من العرب وجرح 46 آخرون، وفي الاشتباكات داخل المصفاة قتل العرب دفاعاً عن النفس 41 يهودياً وجرحوا 48، واستمرت إسرائيل في عمليات الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني والمشهد الماثل للعيان في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس والداخل الفلسطيني، ويعتبر ذلك ديدن للدولة المارقة إسرائيل.
خطوة يبنى عليها
تعتبر الشراكة الغربية مع إسرائيل في الابادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني امتداد لنهج استعماري قبل وبعد عام 1948، وليست وليدة اللحظة الراهنة، وتتجذر استراتيجية تعزيز التحالف مع إسرائيل في مختلف الأصعدة لترسيخ الهيمنة والمصالح الاستعمارية المختلفة في منطقة الشرق الاوسط، وتجلى ذلك بوضوح في دعم إسرائيل في المحافل الدولية، حيث استخدمت الدول الاستعمارية حق الفيتو لمنع أي قرار يدين السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وتم تعزيز تلك السياسات الاستعمارية من خلال الضغط على المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة للتخلي عن مواقفها النقدية تجاه إسرائيل، كما حدث في تغيير موقف الأمم المتحدة تجاه الصهيونية في عام 1991، تُظهر مدى التعقيد والتداخل في العلاقات الدولية التي تؤثر بشكل مباشر على الصراع مع إسرائيل.
واللافت أن الفضائيات ومراسيلها وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ساهمت إلى حد كبير في كشف الجرائم التي تُرتكب على مدار الساعة على امتداد الوطن الفلسطيني، وتبعاً لذلك تبرز إلى الأمام بشكل ملح وضروري للتحرك الدولي الحازم لوصم وإدانة إسرائيل بالعنصرية والفاشية والابادة الجماعية، فلقد أظهرت هذه الحرب بشكل جلي أن الصمت واللامبالاة، وخاصة من قبل الدول الإسلامية والعربية، ويجب الضغط على المنظمات الدولية والمجتمع الدولي لاتخاذ مواقف أكثر صرامة ضد إسرائيل وداعميها الغربيين، رداً على جرائمها وخرقها للقوانين الدولية. إن العمل على عزل إسرائيل وداعميها يتجاوز كونه رد فعل على الظلم، إنه يمثل تحدياً مباشراً للبنية الاستعمارية التي سمحت بتفشي هذه الأعمال وتجاهلت معاناة الشعب الفلسطيني منذ عام 1948، ويعتبر هذا الضغط خطوة متقدمة لإنهاء النفوذ الاستعماري الغربي الذي طالما سيطر على مؤسسات النظام العالمي وأدائها ومواقفها غير العادلة إزاء القضية الفلسطينية بتفاصيلها المتعددة. ومن نافلة القول أن قرار الجنائية منقوص، لكن طلب المحكمة الجنائية الدولية أخيراً وإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، يعتبر خطوة هامة يبنى عليها لجهة الطلب في جر مجرمي الحرب الإسرائيليين الى العدالة الدولية بآليات متسارعة لنيل عقابهم، والأهم من ذلك نعت إسرائيل بالإبادة الجماعية.