"اليوم التالي" يجب أن يجسد وحدة الأرض والشعب والقضية في ظل الدولة المستقلة
كتب مروان طوباسي
زيارة سوليفان للمنطقة هدفت إلى توجيه وتصويب العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل أساساً، والتوصل إلى اتفاقيات وتفاهمات تتعلق بالأمن والسياسة في المنطقة طبقاً لأسس العلاقة الإستراتيجية بين الطرفين والارتقاء بها بما يمثل رغبة الولايات المتحدة في تنفيذ رؤيتها حول الشرق الأوسط الجديد وحاجتها لدور إسرائيلي مساعد وشريك في ذلك .
كما والتأكيد على دعم الولايات المتحدة لجهود إسرائيل في استمرار مخططات حرب الإبادة والتهجير بحق شعبنا تحت مبرر عنوان "محاربة حماس".
فهناك توتر واضح بين نتنياهو والإدارة الأمريكية، حيث أعربت إدارة بايدن عن قلقها من سياسات نتنياهو التي تعتبرها غير مستقرة وقد تزيد من تعقيد الوضع في المنطقة ولا تخدم جوهر العلاقات الإستراتيجية بينهما. فالولايات المتحدة تركز على تعزيز ما تسميه "استقرار المنطقة" ومواجهة النفوذ الإيراني من خلال تنفيذ مشروعهم المسمى "بالشرق الأوسط الجديد" والذي يحمل مفاهيم مشوشة ومنقوصة وغير واضحة حول الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها بمعاييرهم ويريدون تسويقها دون تنفيذ حقوق شعبنا وبالمقدمة منها حق تقرير المصير، وقد تكون "دولة" وفق ما جاء في رؤية ترامب سابقاً. وهي ترى في بعض سياسات نتنياهو عائقاً أمام هذه الأهداف التي حتى لا تتطلب إنهاء الاحتلال .
هنالك ارتباط بين هذه التوترات بالعلاقة التي لا تؤثر فعليا على مكانة إسرائيل وأهميتها للولايات المتحدة، بمشاريع أمريكية أوسع في الشرق الأوسط تسعى لها الولايات المتحدة في مواجهة تنامي النفوذ الصيني والروسي، مثل مبادرة الممر الاقتصادي للشرق الأوسط في مواجهة مشروع الحزام والطريق، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي واللوجستي لخدمة مصالح الهيمنة الأمريكية في المنطقة، كذلك السيطرة على أحواض الغاز في شرق المتوسط وتعزيز وجودها العسكري من خلال القواعد المنتشرة إضافة إلى القاعدة الجديدة بصحراء النقب وما يسمى بالميناء العائم على شواطىء غزة وقناة بن غوريون التي يحتاج تنفيذها إلى أراضي قطاع غزة.
ومع ذلك، وعلى افتراض أن الولايات المتحدة لا تسعى لتغيير الحكومة الإسرائيلية بشكل مباشر، فإنها تركز على الضغط الدبلوماسي والعسكري لضمان توافق السياسات الإسرائيلية مع مصالحها الإقليمية .
الولايات المتحدة تدرك أن الخلاف بين غانتس ونتنياهو يمكن أن يؤثر على ديناميات الحرب في غزة، خاصة فيما يتعلق بإدارة الأزمة وتحقيق النتائج . فالبيت الأبيض يفضل التعامل مع غانتس لتسهيل تنفيذ تلك الأهداف في غزة ونوعية العمليات العسكرية الكبيرة، مثل مخطط ضرب فكر وثقافة المقاومة بالمنطقة كما وتراث منظمة التحرير الفلسطينية واستكمال مخططات العدوان "الإنسانية" في رفح وباقي مناطق غزة بعد تصاعد أعمال حرب العصابات التي تسقط يومياً أعداداً من جنود الاحتلال وترفع كلفته بالميدان وعلى مستوى الأثر الإقتصادي أيضاً. كما وتنفيذ الرؤية الأمريكية بمنطقتنا حول التهجير "الطوعي" واضعاف دور السلطة الوطنية ومحاصرتها والمراقبة أو المشاركة في استكمال تدمير غزة وجعلها مكاناً غير صالح للحياة من جانب آخر .
وفي هذا الخصوص هناك آراء تشير إلى أن إدارة بايدن تسعى لتعزيز دور غانتس الذي يرفض فكرة وجود حماس أو عباس في غزة كما قال وهو ما يتفق فعلياً مع وجهة النظر الأمريكية لمسماهم "اليوم التالي" ، كبديل محتمل لنتنياهو ، مما يعكس عدم رضاها عن سياسات نتنياهو المتشددة ويشير إلى رغبتها في رؤية تغييرات في القيادة الإسرائيلية قد تساعد في تحقيق تقدم نحو مفهومها حول سراب حل الدولتين .
بناءً على ذلك ، يبدو أن الولايات المتحدة تستخدم الخلافات الداخلية في إسرائيل كوسيلة للضغط على نتنياهو، ولتوجيه السياسات الإسرائيلية نحو أهداف أكثر توافقاً مع الرؤية الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بإدارة الصراع في غزة وصولا لتنفيذ مقولة اليوم التالي الذي تتحدث عنه .
خطاب بني غانتس الأخير الذي وجه فيه إنذاراً لبنيامين نتنياهو لتقديم خطة ما بعد الحرب على غزة بحلول 8 يونيو، يحمل تداعيات كبيرة على استقرار الحكومة الإسرائيلية الحالية. غانتس هدد بالخروج من الائتلاف الحاكم إذا لم يتم تلبية مطالبه، مما يزيد الضغط على نتنياهو، وهو يسعى لتعزيز موقفه السياسي عبر مطالبته بخطة واضحة لإنهاء الصراع دون إنهاء الأحتلال (كمن يريد أن يأكل الكعكة ويحتفظ بها) وتحقيق أهداف محددة تشمل بدائل لحكم حماس في غزة وإعادة الأسرى الإسرائيليين التي تتفق مع الرؤية الأمريكية اليوم التالي كما أشرت .
هذه التطورات تضع حكومة الاحتلال في موقف حرج، حيث أن استقالة غانتس أو خروجه من الائتلاف قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الحكومة الحالية. من جهة أخرى، هناك توتر داخل الحكومة بين نتنياهو وأعضاء آخرين، مثل وزير الدفاع غالانت، ومن خارجها مواقف لابيد التي تحدث عنها أمس في خطابه أمام المتظاهرين، كل ذلك يساهم في تعقيد الوضع السياسي .
باختصار، خطاب غانتس يعكس التوترات وتفاقم الأزمة البنيوية الداخلية الكبيرة في إسرائيل التي تعمقت على كل المستويات منذ عام ونصف وتحديداً أكثر ما بعد 7 أكتوبر، ويمكن أن يؤدي إلى تغييرات سياسية مهمة قد ترغب بها الولايات المتحدة كما ترغب في أن ترى "السلطة الوطنية المتجددة" التي يتحدث عنها سوليفان بما ينسجم مع الرؤية الأمريكية وتعمل بتوجيهاتها، لتكون جزء مشاركاً مع حكومة إسرائيلية متجددة في تنفيذ رؤيتهم المتكاملة كما يرغبون.
بينما تسعى الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها بالمنطقة من خلال ما يسمى بالتعاون الاقتصادي ومواجهة التحديات الأمنية، يبقى الضغط على حكومة نتنياهو نتيجة لهذه التوترات الداخلية والخارجية أمراً ضرورياً لها لتمرير مشاريعها دون اعتراض أو إعاقة .
ويبقى لنا نحن ضحية تاريخ الإستعمار، التمسك في أن يمثل اليوم التالي رؤيتنا على قاعدة وحدة الشعب والأرض وقضيتنا الوطنية التي يجب أن تتجسد من خلال حق تقرير المصير وإقامة دولتنا ذات السيادة والديمقراطية على كامل الاراضي المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين وفق القرار 194 كتحقيق لمشروعنا التحرري الوطني والذي يهدف أيضاً إلى إنهاء الفكر الصهيوني مبرر وجود نظام الإستعمار الاستيطاني والابرتهايد، بمسوؤلية فلسطينية ويهودية تقدمية مشتركة بمساندة قوى الحرية والعدالة في هذا العالم أينما كانت.