القمة العربية ما بين الوقائع والاستحقاقات اللازمة

{title}
أخبار الأردن -

مروان طوباسي

القمة العربية التي انعقدت في المنامة بالبحرين والتي كان من المفترض في هذه الظروف أن تتناول بشكل أساسي التحديات المتعلقة بالوضع في قطاع غزة على أقل تقدير، من حيث الضرورة لاتخاذ قرارات عملية ترتقي إلى مستوى تلك التحديات من استمرار حرب الإبادة والتهجير والتجويع وما يرتبط مع ذلك سياسياً من وجهة نظر التحالف الأمريكي الإسرائيلي.

حيث أصبح واضحاً أن هناك عاملين يتحكمان في سياسات نتنياهو: الأول البعد الأيديولوجي المتمثل بالسيطرة التامة والكاملة على الضفة الغربية والتهجير كعامل مساعد على السيطرة، واستمرار فصل الضفة عن غزة لمنع كيانية سياسية فلسطينية وتدمير فكرة الدولة المتواصلة ذات السيادة. أمّا الثاني، فهو أزمته الشخصية والتي يرى بها أن الحرب قد تحمل إمّا حلاً أو تأجيل لها، لذلك فقد عمل على افشال صفقة التبادل.

امام عن هذا الواقع وبانعقاد قمة البحرين فقد صدرت عن القمة العربية عدة قرارات لم تتجاوز الاعلان عنها، كانت قد اتخذت في قمم عربية سابقة وتم تكرارها بما لا يأخذ جديد التطورات، تؤكد على دعم القضية الفلسطينية والسعي لإيقاف العدوان الإسرائيلي. لقد تم إعادة التأكيد على التمسك بمبادرة السلام العربية كإطار أساسي لتحقيق السلام في المنطقة، مشددة على أن تحقيق السلام الدائم يتطلب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967.

كما ودعت قمة المنامة الى دعم الجهود الدولية لإطلاق عملية سلام جادة على أساس حل الدولتين الذي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية والضغط على إسرائيل من خلال استخدام الأوراق الاقتصادية والسياسية لوقف العدوان، بما في ذلك تفعيل استراتيجيات التعاون العربي وتعزيز التكامل في المجالات الاقتصادية والسياسية.

لكن، وعلى الرغم من هذه القرارات، تبقى هناك تساؤلات حول فعالية الإجراءات المتخذة ومدى قدرتها على التأثير على الأرض في ظل التصعيد الإجرامي المستمر في غزة وباقي مدن فلسطين الى جانب التساؤل حول آليات التنفيذ.

فالقمة لم تتطرق إلى خطوات مباشرة مثل قطع العلاقات أو العقوبات الاقتصادية على إسرائيل، مما يعكس الفجوة بين الطموحات السياسية والواقع العملي. في المجمل، ورغم ان القرارات اللفظية لا تعكس بالضرورة التزام الدول العربية بدعم غزة، لكنها تحتاج إلى إجراءات أكثر قوة وتأثيرًا لتحقيق تغيير ملموس على الأرض لوقف اعمال التطهير العرقي الجارية، وهي ما تشكل امتدادا واستمرارا لفكر الحركة الصهيونية العالمية ومن يقف الى جانبهم منذ أكثر من 76 عاما والتي لا تحتاج الى مبررات للقيام بجرائمها المستمرة أو الى سبب يدفعها الى ذلك.

ورغم ان التوقعات لمخرجات هذه القمة لم تتجاوز ما صدر عنها بحكم تاريخ القمم العربية او المدخلات السياسية بحكم الاوضاع القائمة. الا انه كان من المفترض امام وقائع وخطورة الاحداث التي لم يشهد العالم مثيلا لها منذ نهايات الحروب العالمية التي اثارتها الولايات المتحدة بحق الشعوب والجرائم المرتبطة بها، ان تكون القرارات العربية على مستوى الأحداث الجارية في قطاع غزة، والتي كان ينبغي على الاقل من حيث المسؤولية الأخلاقية والقومية والسياسية، أن تتضمن عدة إجراءات محورية تتناسب مع حجم الأزمة والمعاناة الإنسانية، بحيث تشمل طرد السفراء الإسرائيليين من الدول العربية وقطع العلاقات الدبلوماسية حتى يتم وقف عدوان الإبادة على غزة. مثل هذه الخطوة كان يمكن ان تعبر عن رفض واضح وقوي للسياسات الإسرائيلية، اضافة الى فرض ضغوط اقتصادية تشمل حظر تصدير واستيراد السلع من وإلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتعليق التعاون التجاري معها. بالإضافة إلى ضرورة التهديد بوقف تصدير النفط للدول التي تدعم إسرائيل عسكرياً بالحد الادنى.

هذا الى جانب ضرورات الاتفاق على التحرك القانوني الدولي لرفع دعاوى قضائية ضد إسرائيل في المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وممارسة الإبادة الجماعية، ومتابعة الإجراءات القانونية لتقديم القادة الإسرائيليين المسؤولين إلى العدالة كمجرمين حرب، أسوة بما تقوم به في لاهاي دول صديقة غير عربية او اسلامية تمتلك قرارها الوطني وكرامتها مثل جنوب افريقيا وعدد من دول أمريكيا اللاتينية. طبعا الى جانب فرض ادخال وايصال المساعدات الانسانية لأهلنا في غزة من خلال ممرات أمنة وفق القانون الدولي.

ومن جهة اخرى كان مفترض الاتفاق دون إعاقة أحد على تقديم الدعم اللازم لمنظمة التحرير كإطار تمثيلي وحيد ولقوى المقاومة الفلسطينية ماليا ولوجستيا وتحديدا لأبناء شعبنا الفلسطينيين في قطاع غزة لتعزيز صمودهم في مواجهة عدوان الإبادة، خاصة وان التحرك الاسرائيلي يقوم على استهداف الكل الفلسطيني بما في ذلك مؤسسات السلطة الوطنية.

ان القرارات المتخذة في القمة العربية لم ترقى إلى مستوى التحديات العسكرية والسياسية التي تتخذها حكومة دولة الاحتلال وبدعم ومشاركة أمريكية رغم الحديث عن خلافات بينهما، وذلك لعدة أسباب يمكن تلخيصها كالتالي، اولا الانقسام العربي: هناك اختلافات سياسية بين الدول العربية تجعل من الصعب الوصول إلى توافق على إجراءات موحدة. هذا الانقسام يضعف من وحدة الموقف العربي وقدرته على اتخاذ خطوات حاسمة. ثانيا، الضغوط الدولية، فالعديد من الدول العربية تتعرض لضغوط من القوى العالمية، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللتين تربطهما علاقات قوية مع إسرائيل، في ظل تأثير الإدارة الامريكية على قرارات عدد من الدول الشقيقة

ثالثا، المصالح الاقتصادية: بعض الدول العربية لديها مصالح اقتصادية وتجارية كبيرة مع الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، مما يجعلها تتردد في اتخاذ إجراءات قد تضر بعلاقاتها الاقتصادية والاستثمارية مع هذه الدول. رابعا، التحفظات الأمنية: بعض الدول تخشى من أن اتخاذ مواقف واضحة قد يؤدي إلى زعزعة استقرارها الداخلي أو أن يتسبب في ردود فعل أمنية أو عسكرية غير متوقعة. خامسا، تأثير اللوبيات: وجود جماعات ضغط قوية داخل وخارج الدول العربية تعمل على توجيه السياسات بما يتماشى مع مصالحها او مصالح غربية، مما يعقد إمكانية تبني سياسات صارمة ضد إسرائيل. سادسا، الواقع السياسي الدولي: النظام الدولي الحالي أحادي القطب رغم مناحي التهاوي فيه لا يسهل معاقبة إسرائيل بشكل فعال بسبب الفيتو الذي تستخدمه الولايات المتحدة في مجلس الأمن لحماية إسرائيل من القرارات الدولية التي تدينها أو تفرض عليها عقوبات. سابعا، ضعف البنية التحتية للتنفيذ: حتى لو تم اتخاذ قرارات قوية، فإن ضعف البنية التحتية لتنفيذ هذه القرارات في العديد من الدول العربية يمكن أن يعيق تطبيقها بشكل فعال بحكم الاسباب التي اوردتها باختصار.

هذه العوامل مجتمعة تفسر لماذا لم تكن القرارات بحجم التحديات التي تواجه فلسطين وتحديدا في غزة، رغم أن العديد من الدول العربية تعبر عن تضامنها ودعمها للقضية الفلسطينية.

اذن فالقرارات الصادرة عن القمة العربية لم يكن لها تأثير ملموس على سياسات إسرائيل تجاه ما تقوم به.

فالحملة الإسرائيلية على مدينة رفح وباقي مدن غزة التي عادت لها قوات الاحتلال بفعل نشاط المقاومة بأسلوب حرب العصابات المُكلف لإسرائيل تعتبر حاليا من أبرز التطورات العسكرية في قطاع غزة، رغم حجم الضحايا المؤسف من شعبنا.

 ولكن يبدو أن هناك عدم تفاؤل حول إمكانية التوصل إلى صفقة ووقف الحرب طبقا لما يسعى له نتنياهو. كما ان على الحدود اللبنانية، التوترات هناك مرتفعة، ولكن ما لم يحصل تصعيد نوعي فالوضع يبقى هشا ويمكن لأي تصعيد في غزة أن ينعكس على الحدود مع لبنان، مما قد يؤدي إلى توسيع رقعة الحرب في المنطقة. فالدور الدولي والوساطات والمتمثلة بالمفاوضات الجارية برعاية مصر وقطر والولايات المتحدة يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في تهدئة الأوضاع. إلا أن عدم التوصل إلى اتفاق في الوقت المناسب قد يؤدي إلى استمرار التصعيد، وهو ما تؤثر به ايضا المواقف السياسية الداخلية في دولة الاحتلال مما يعزز استمرار اعمال العدوان وتطويرها.

لذلك فإن السيناريوهات المتوقعة تعتمد على تطورات الأيام القليلة القادمة، وخصوصاً نجاح أو فشل الجهود حول والمفاوضات الدولية امام التعنت الاسرائيلي.

فلم يعد بالإمكان الاستمرار في ذات المستوى من الحرب وتحولها إلى استنزاف مرتفع المستوى على الاحتلال، الامر وصل إلى لحظات فاصلة يتوجب تحديد مساراتها.


وكانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أعلنت عن عدة أهداف للحرب على قطاع غزة بينها إنهاءه حكم حماس وفرض سيطرة أمنية كاملة، واستعادة الأسرى الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، الامر الذي لم تتمكن من تحقيقه حتى الان وتخبط مفهومها حول ما يسمى باليوم التالي.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير