الضلالات والأكاذيب في زمن الحرب
ماهر أبو طير
تشتد الحرب على قطاع غزة، وفي المقابل هناك موجة غير مسبوقة من الغزو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تبث على ألسن المئات توقعات روحانية وفلكية حول الحرب.
هي ذات الطريقة التي رأيناها خلال حرب الخليج الاولى، واليوم اذا تصفحت وسائل التواصل الاجتماعي بما فيها المحجوبة ايضا، تكتشف بكل بساطة وجود مئات الاسماء التي تتحدث عن توقعاتها التفصيلية للحرب، البعض يعود الى نصوص قديمة ويفكها كيفما يريد، والبعض الآخر يتحدث عن كونه متصلا بعوالم ثانية تقول له ماذا سيحدث، ولا يستثني الحديث هنا الكلام عن ظهور المهدي وفقا للرواية الشيعية وتلك السنية، حتى وصل الامر لتحديد مواعيد الظهور، مرورا بالتوقعات الفلكية والروحانية حول مدة بقاء اسرائيل، وغير ذلك من قصص، وتوقعات تشمل اسماء معروفة ورموزا مختلفة ودولا وشعوبا، وكل واحد يخرج علينا حاملا سبحته، او مرتديا عمامته ليحدثنا عما رأى في منامه ايضا، وعما رآه ربما في صحوته.
الكارثة الاكبر هنا ليس كل هذا الضخ الجائر من التيه والتضليل واشغال الناس، بل تكمن في عدد المتابعين والمعلقين والذين يصدقون، فلا تجد امامك سوى التأمل بشأن قلة الوعي، وحالة الجهل، وغياب العقل، والركض وراء الاكاذيب، او الخرافات، او حتى ادعاءات هذا او ذاك حول ما سيحدث في المنطقة، خلال شهر او شهرين، او عام او عامين.
فلكيون وروحانيون ومشعوذون من سورية، لبنان، مصر، العراق، ودول ثانية في المغرب العربي، والكل يقدم رواية مؤكدة وفقا لرأيه عما يحدث، وسيحدث، من تداعيات لحرب غزة قريبا، والكل يقسم اثقل الايمان ان هذا ما سيحدث، ولا يستحون اصلا من مواصلة الكذب.
لم تنهض اي امة على مدى التاريخ، الا عبر مسربين متوازيين، الاول وجود مشروع، اي مشروع فكري او سياسي متماسك وقوي يؤمن به الناس ويلتفون حوله بروح جمعية، وهذا نراه في الامم القوية التي نهضت ونافست، والثاني وجود ادوات مادية عملية تساند المشروع وتحوله الى واقع، وبدون الادوات المادية لا يمكن ابدا تحويل المشروع الفكري او السياسي، الى واقع ملموس، وسيبقى مجرد توهمات على خريطة الامم، وتطلعاتها وطموحاتها.
في حرب الخليج الاولى انهمرت القصص بذات الطريق. صورة صدام على القمر. وقصائد مزيفة حول ظهور رجل آخر الزمان يدعى "صادم". وتوقعات مصدرها كتب قديمة لا اثبات على وجودها اصلا، وحسابات فلكية وروحانية، تقول كذا وكذا، فيما النتائج على الارض جاءت مغايرة الى حد كبير جدا، وثبت ان التضليل كان مقصودا للتلاعب بوعي الناس.
في حرب 2006 خرج احدهم امام الملأ ليقسم انه حرف بأصبعه الصاروخ الذي اطلقه اللبنانيون على السفينة الاسرائيلية، وانه كان السبب في تدمير السفينة، ولولا اصبعه لضل الصاروخ طريقه، فتكاد تسأله عن اصبعه اليوم، واين هو في معركة غزة الدموية.
في قصة الاحتلال، لا يمكن للصاروخ ان يتم رده الا بصاروخ آخر، واذا كان هذا العامل ماديا، فهو يستند في الاساس الى رؤية فكرية وسياسية، وليس الى حالة توهم وغيبوبة مرتبطة بتوقعات يطلقها فلان او علان، من اجل تحسين رصيده المالي من خلال بث السوشال ميديا، وجمع اللايكات والتعليقات، فيما يقبض الدولارات نهاية الشهر من الاميركيين والصينيين، بسبب حسابه النشط على وسائل التواصل الاجتماعي.
القصة هنا ان محاولة حرف البوصلة اخطر من الحروب العادية، فالبوصلة يجب ان تكون محددة، وتفشي الخرافات والاكاذيب على يد المشعوذين الالكترونيين، يكشف ايضا من جهة ثانية ان بيننا من لديه الاستعداد ليسمع ويصدق ويردد، وبما يثبت ان اصل الازمة التي تعيشها بنية المنطقة، ليس الحصول على شهادات جامعية ورقية، بل ترتبط بكيفية التفكير، والفهم، وقراءة الحاضر والمستقبل، بما يلزمنا جميعا للعمل من اجل تعزيز معركة الوعي.
يدفع الغزيون الدم ثمناً، فيما يتكسب البعض على ظهورهم بكل هذه الاكاذيب التي تعاكس بعضها بعضا، حيث لا يتفق مئات الكذابين ايضا على كذبة واحدة، وعلينا ان ندعو الامم المتحدة لجمعهم في مؤتمر اقليمي ليتفقوا معا على رواية واحدة بخصوص غامض الغيب.
الامم وصلت المريخ، فيما بعضنا "مبطوح على صدره" بانتظار تحقق توقعات فلان وعلان.