كيف نحتفل بعيد العمال مهنيا ؟
بقلم/ الدكتور جهاد يونس القديمات - أستاذ جامعي متخصص في إدارة وتطوير الموارد البشرية
قد يرى بعض أرباب العمل في عيد العمال Labor Day فرصة لتكريم وتقدير موظفيهم، وقد يقوموا بتنظيم فعاليات خاصة أو تقديم مكافآت إضافية كتعبيرعن امتنانهم لعملهم وتفانيهم، وقد يرى اخرون انه ليس سوى عطلة إضافية تؤدي إلى توقف العمل وتكبد خسائر مالية، خاصة في المنظمات التي تعتمد على الإنتاج.
في حين ترى مراكز التعليم والتدريب في عيد العمال فرصة لتعزيز الوعي بأهمية التعليم والتدريب ودور العمال في بناء القطاعات المختلفة، عبر توعية الطلاب بحقوق العمال وضرورة احترامها، فضلا عن تعزيز قيم العمل والمساواة في الفرص الوظيفية، او تنظيم ورش عمل أو معارض فنية تسلط الضوء على إبداعات العمال في مجالات مختلفة.
اما من وجهة العمال او الموظفين، فهو مجرد يوم للراحة والاسترخاء بعيدا عن العمل، والتقاط الانفاس، ويمكن أن يكون أيضا وقتا للتفكير في قضايا العمال وحقوقهم، او التذكير المجتمع بمطالبهم واسهاماتهم، او التواصل والتضامن بين مختلف القطاعات والمجتمعات.
بشكل عام، تعتمد النظرة إلى عيد العمال على عدة عوامل، منها على سبيل المثال ثقافة العمل في المجتمع، وطبيعة العلاقة بين العمال وأرباب العمل، ومستوى تركيز مراكز التعليم والتدريب على جودة مخرجاتها، إضافة الى قوة الاتحادات والنقابات المهنية الفاعلة، وأيضا على القوانين والتشريعات المحلية التي تنظم حقوق العمال ومطالبهم.
اما من وجهة نظر كاتب هذا المقال، فالاحتفال بعيد العمال يكون بدعوة ارباب الاعمال الى ترسيخ مفهوم العدالة المنظمية كثقافة سائدة Organizational Justice، لا يمكن تحقيق الأهداف الاسترايتجية دونها، فالتجارب العملية تشير ان غياب العدالة في منظماتنا يؤدي بالضرورة الى شعور العمال والموظفين بالغبن والظلم، الامر الذي يقود الى انخفاض مستوى الرضا الوظيفي الى حدود متفاوتة، تساهم في تراجع أدائها على المدى المتوسط والبعيد. ان تحقق العدالة المنظمية بالمفهوم الموسع الاجرائي منه والتوزيعي والتفاعلي بين (ومع) جميع العاملين بدون استثناءات او مبررات غير منطقية، هو الصواب بعينه.
فيما يتعلق بالعاملين، فندعوهم الى انجاز مهماتهم الوظيفة ومسؤوليتهم باتقان، وعدم القبول برداءة الأداء، او التهاون في جودة المخرجات، او اهمال الهدر في المدخلات الإنتاجية، الامر الذي يقدم منتجات غير منافسة من حيث الكلفة او الجودة، ومن ثم انخفاض المبيعات وتراجع الإيرادات، وبالتالي انكماش الحصة السوقية للمنظمة Market Share.
وهنا تلتقي العدالة المنظمية وعدم اتقان العمل في بوتقة الرضا الوظيفي Job Satisfaction، فالعدالة المنظمية تقود عبر سلسلة التأثيرات المذكورة الى كارثة إدارية لا يحمد عقباها، وقد تجد المنظمات نفسها عالقة في مربع العدالة والرضا الوظيفي والجودة لفترات طويلة، وللتخلص من تعبات هذه النتائج، قد تضطر مرغمة على دفع كلف إضافية من مواردها وسمعتها كي ترمم ما افسدته الممارسات السلبية على شكل سياسات والإجراءات لمدد طويلة.
ونشير هنا أيضا الى دور مراكز التعليم والتدريب الى فهم اعمق لطبيعة العلاقة بين مخرجاتها ومتطلبات السوق وتحدياته، عبر التركيز على المعارف والمهارات الشخصية والفنية من جانب، وبين مستويات الأداء المطلوبة، والعمل على اعداد مصفوفة معايير نظرية وعلمية وعملية مدروسة بعناية Criteria Matrix، وبالتعاون مع ارباب العمل والجهات المختصة ذات التأثير القانوني والتشريعي في السوق كطرف ثالث محايد، قادر على احداث تغيير جوهري ومباشر في ردم التفاوت بين المخرجات والمتطلبات، او ما يسمى بتقليض الفجوة او الفجوات Bridging the Gaps، ان جاز التعبير. والقضية ليست مسألة محلية خاصة، فوفقا لتقرير منظمة العمل الدولية (ILO)، حول تحليل السوق العالمي إلى أن هناك فجوة كبيرة بين المهارات التي يتوفر عليها العمال والمهارات التي يحتاجها سوق العمل، مما يسبب تحديات كبيرة في توظيف الشباب والباحثين عن عمل.
ان تحليل احتياجات السوق امر لا مفر منه، وتطوير مناهج وبرامج تعليمية ملائمة هي الترجمة المهنية لهذا التحليل العلمي المنهجي، كما لا يجوز استبعاد التشريعات القانونية التي تحافظ على الحقوق، وتؤكد الواجبات، وتعزز دور العمال والموظفين والنقابات المهنية والجمعيات المتخصصة والمجالس المنظمة وارباب العمل في بناء ثقافة وطنية تنعكس مباشرة على الأداء العام والخاص، وتحديث سياسات واجراءات المنظمات والهيئات وفقا لافضل ( او انسب) الممارسات، بالاستناد الى النظرية، والى التجارب العملية الناجحة.
التنمية والتطوير ليس خيارا، بل مسارا وطنيا لا يمكن تأجيله او تفادي تبعاته في المدى المتوسط والبعيد، وهذا يدعونا للاحتفال بالمناسبات المختلفة بطريقة مهنية خالصة، تنتهي بإنجاز ملموس، ترفع فيه القبعات لمن صاغ وعمل بجد واجتهاد كي تصبح النظرية واقعة رؤية العين، وجاهزة للتطبيق التزامني.
يضع هذا اليوم على كاحلنا كمتخصصين ومسوؤلين واعلاميين واكاديميين ومهنيين وارباب عمل، مسوؤلية كبيرة اتجاه الوطن، والتعبير الحقيقي لحبه وعشق ترابه يكون ببناء منظومة تنمية وتطوير حقيقية لموارده بانواعها، وهذا يتطلب اخلاصا عميقا، وتركيزا منقطع النظير، يتبعه خطة عمل واقعية، في اطار زمني محدد، والنتائج بالتأكيد ستكون مذهلة.