هل تؤثر الاحتجاجات الطلابية على سياسة واشنطن تجاه "إسرائيل"؟
أحمد عوض
لا يمكن تجاهل التداعيات المحتملة للاحتجاجات الطلابية المتصاعدة في الجامعات الأميركية على مستقبل سياسة الدعم الأميركية غير المحدودة وطويلة الأمد تجاه دولة الاحتلال الإسرائيلي.
تعكس هذه الموجة من النشاط الطلابي في كبريات الجامعات الأميركية، والتي تطالب بوقف حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وان كانت تحمل عناوين مرتبطة بوقف تعامل جامعاتهم مع الحكومة والجامعات الإسرائيلية.
بالمقارنة مع الأنماط التاريخية التي أثرت فيها الحركات الطلابية بشكل عميق على السياسات الأميركية الداخلية والخارجية، مثل حركة الحقوق المدنية والاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام في ستينيات القرن الماضي، فإن الاحتجاجات التضامنية الحالية مع الشعب الفلسطيني ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل لحظة محورية في العلاقات بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي وإعادة ترسيمها.
اتسمت فترة الستينيات بكثافة النشاط الطلابي في الجامعات الأميركية، هذه الاحتجاجات لعبت أدوارًا حاسمة في إعادة تشكيل الرأي العام والسياسة المتعلقة بالحقوق المدنية وحرب فيتنام، وكان لهذه الحركات دور فعال في دفع التشريعات التاريخية مثل قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حقوق التصويت لعام 1965. كما أجبرت الحكومة الأميركية آنذاك على إعادة النظر في مواقفها العسكرية والاستراتيجية، ولا سيما تسريع الانسحاب من فيتنام، خاصة بعد صمود المقاومة الفيتنامية أمام قوات الاحتلال الأميركي وحلفائها.
واليوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بطريقة مختلفة، حيث تلفت الاحتجاجات الطلابية في مختلف أنحاء الولايات المتحدة الانتباه إلى قضية عادلة أخرى، قضية فلسطين المحتلة وشعبها منذ عقود طويلة.
إن الانتقادات المتوترة والصريحة التي وجهها «نتنياهو» لهذه الاحتجاجات ومطالبته بإنهائها بأسرع وقت، إلى جانب التوتر الواضح لدى المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين بشأن التداعيات المحتملة لهذه الاحتجاجات على مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة، تؤكد أهمية الاحتجاجات. وردات الفعل الأميركية الرسمية تعكس الخوف من أن تغير هذه الاحتجاجات اتجاهات الرأي العام في الولايات المتحدة، كما حدث في ستينيات القرن الماضي.
لقد استخدمت السلطات الأميركية تقليديا نهجا متعدد الأوجه لقمع الاحتجاجات الطلابية، بدءا من القمع الجسدي الى الاعتقال إلى المراقبة والتجسس على قادة الطلبة، الى جانب تشويه سمعتهم، وتهديهم بعدم تشغيلهم في المستقبل. ويتجلى هذا النمط في تعامل السلطات الأميركية مع الاحتجاجات الطلابية المتضامنة مع فلسطين، إذ تسلط التقارير الصحفية والحقوقية على استخدام هذه السلطات لاستراتيجيات القمع المألوفة.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستؤدي هذه الاحتجاجات إلى تحول جوهري في سياسة الولايات المتحدة تجاه دولة الاحتلال الاسرائيلي؟ إن إمكانية التغيير حقيقية، وكما قضت حركة الحقوق المدنية على التمييز العنصري المؤسسي وساهمت الاحتجاجات على انهاء حرب فيتنام آنذاك، فإن الحركات الطلابية اليوم يمكن أن تجبر الإدارة الأميركية والمؤسسات الرسمية المختلفة على إعادة النظر في الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري اللامحدود للولايات المتحدة لدولة الاحتلال وسياساتها.
قد يجادل البعض بأن الدعم الأميركي لإسرائيل راسخ للغاية بحيث لا يمكن أن تغيره الاحتجاجات الطلابية التي تشهدها الجامعات الأميركية هذه الأيام، ومع ذلك، فإن التاريخ يروي قصة مختلفة.
التاريخ الحديث يقول إن القوانين والسياسات العنصرية في الولايات المتحدة كانت راسخة في بنى الدولة الاميركية ونظامها القانوني والسياسي، ومع ذلك تخلت عنها تحت ضغط الاحتجاجات الطلابية والتغيرات في الرأي العام، وكذلك الحال بالنسبة لحرب فيتنام، حيث كانت ترى الإدارة الأميركية ومؤسساتها أن الحرب في فيتنام تمثل دفاعا عن مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية والسياسية، ومع ذلك غيرتها.
وبينما تواجه الولايات المتحدة ضغوطًا داخلية وخارجية متزايدة لإعادة تقييم موقفها من دولة الاحتلال الإسرائيلي وإعادة ترسيمها، وتزداد الأثمان السياسية والأخلاقية التي تدفعها لقاء هذا الدعم، فإن أصداء الحركات الطلابية السابقة توفر مخططًا لفهم وتوقع التغييرات في هذه السياسة.
ويتعين علينا أن نرى ما إذا كانت الإدارة الأميركية الحالية سوف تستجيب لدروس الماضي والحاضر أم لا، ولكنّ هناك أمرا واحدا واضحا وهو أن قوة الاحتجاجات الطلابية في تشكيل السياسة الأميركية لا يمكن إنكارها. ومع استمرار الاحتجاجات، هنالك احتمالية كبيرة لحدوث تغيرات في سياسة الولايات المتحدة نحو دولة الاحتلال الإسرائيلي.