الميناء الأميركي.. "رصيف برائحة الموت" معجون بأشلاء الفلسطينيين

{title}
أخبار الأردن -

طوال 6 أشهر من الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة ظل الفلسطينيون يناشدون بإدخال آليات ومعدات ثقيلة تساعدهم على إزالة ركام المنازل التي تقصفها إسرائيل لانتشال جثامين الشهداء والجرحى من تحتها، لكن مناشداتهم ذهبت أدراج الرياح ولم تدخل أي آلية ليترك الجرحى لمصيرهم ويدفن آلاف الشهداء تحت الأنقاض.

وفي الأسابيع الأخيرة وعلى وقع الحرب أيضاً بدأت عشرات الآليات والمعدات الثقيلة بالدخول إلى غزة من الجانب الإسرائيلي بدعم أمريكي، ولكن ليس لانتشال المصابين والشهداء، بل لنقل ركام يقول الفلسطينيون إنه معجون بأشلاء شهدائهم لاستخدامه ببناء رصيف بحري على شاطئ مدينة غزة تقول واشنطن وتل أبيب إنه سيكون مخصص لإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع.

شهود عيان أفادوا للأناضول بأن عشرات الجرافات والشاحنات العملاقة تعمل على نقل آلاف الأطنان من ركام المنازل التي دمرتها إسرائيل على مدار الأشهر الماضية من مناطق متفرقة في غزة إلى شاطئ المدينة المنكوبة لاستخدامه في بناء الرصيف البحري الجديد.

وسبق للرئيس الأميركي جو بايدن أن أعلن في السابع من مارس/آذار الحالي أنه كلف جيشه بإنشاء ميناء مؤقت في سواحل غزة لإدخال المساعدات.

والشهر الماضي أعلن متحدث وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن تفاصيل الميناء الذي سيبلغ طوله 500 متر ويستغرق بناؤه نحو شهرين، فيما رحبت إسرائيل بالفكرة وزعم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتصريحات صحفية له، أنه "صاحب فكرة الميناء".

المهندس المدني الفلسطيني فتحي رياض، يقول إن "بناء الرصيف البحري يحتاج إلى مئات آلاف الأطنان من ركام المنازل المدمرة وهذا يعني جمعه من جميع مناطق مدينة غزة باعتبارها الأقرب للميناء الجديد".

ويضيف رياض للأناضول: "نقل هذه الأطنان من الركام يحتاج إلى عدد كبير من الشاحنات والجارفات العملاقة وبالتالي لا يمكن الاعتماد على ما هو متوفر من آليات في القطاع لدى الشركات المحلية لأنها ذات إمكانيات ضعيفة".

ويشير إلى أن عشرات الآليات الضخمة دخلت إلى غزة خلال الأسابيع الماضية وبدأت بالفعل بنقل كميات هائلة من ركام المنازل إلى الميناء الجديد.

ويتوقع أن يتم الانتهاء من بناء الرصيف البحري الجديد خلال فترة لا تزيد عن 3 أشهر في ظل الإمكانيات الضخمة المتاحة لذلك سواء من آليات وقوات أمريكية تساهم في المشروع.

ويقول فلسطينيون نزحوا مؤخراً من مدينة غزة إلى جنوب القطاع عبر شارع "الرشيد" المحاذي لشاطئ البحر، إنهم شاهدوا عشرات الشاحنات تنقل ركام المنازل التي قصفتها إسرائيل في مناطق متفرقة من مدينة غزة إلى منطقة الميناء الجديد.

ويضيف الشهود للأناضول، أن مئات المنازل التي دمرتها إسرائيل ما يزال تحت أنقاضها جثث لشهداء لم تتمكن طواقم الانقاذ من انتشالهم بسبب ضعف الإمكانيات، ومن المؤكد أن كميات الركام الكبيرة التي يتم نقلها ممزوجة بأشلاء أو حتى دماء ضحايا الحرب.

وحسب تقرير أعده مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، نشره الخميس الماضي، حول الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، فإن آلاف الأشخاص ما زالوا مفقودين جراء الحرب الإسرائيلية على غزة، مبينا أن كثيراً من المفقودين مطمورون تحت منازلهم المدمرة.

كما قال رئيس حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية، محمد اشتية، خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة في رام الله الاثنين، إن رصيف الممر المائي الذي يتم بناؤه على شاطئ غزة "رصيف برائحة الموت".

وأضاف اشتية: "هل يعقل أن رصيف الممر المائي الذي يتم بناؤه على شاطئ غزة من مخلفات المباني المهدمة معجون بجثامين الشهداء التي كانت مدفونة تحت الركام؟ هذا رصيف لممر مائي برائحة الموت".

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني أسامة عبد الهادي، إن "الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تتذرعان بالإنسانية فيما يتعلق ببناء الميناء الجديد على شاطئ بحر غزة وبالواقع هم بعيدون عن الإنسانية".

ويضيف عبد الهادي للأناضول: "لو كانوا صادقين لقاموا بإدخال الشاحنات والجارفات العملاقة التي دخلت غزة لبناء الميناء، من أجل إنقاذ آلاف الجرحى الذين ظلوا ينزفون حتى الموت تحت أنقاض المنازل التي دمرتها دولة الاحتلال".

ويتابع: "هذه الآليات والمعدات دخلت غزة من أجل بناء ميناء يحقق مصالح إسرائيل بالسيطرة على شاطئ غزة ومحاولة تهميش معبر رفح البري على الحدود مع مصر وانتزاع السيادة الفلسطينية عليه، إضافة لتشجيع الفلسطينيين على الهجرة عبر الرصيف الجديد".

ويعتقد عبد الهادي أن الترحيب الإسرائيلي بإنشاء الميناء وتفعيل الممر البحري يثير شكوكا، فإسرائيل تحاصر غزة وتغلق معابرها وتعرقل دخول المساعدات ومن غير المعقول أن تقدم على هذه الخطوة إلا إذا كانت تحقق لها مصلحة خفية ويبدو أنها مرتبطة فعلاً بتشجيع هجرة الفلسطينيين من القطاع.

ويعزز هذا الحديث تصريحات نتنياهو بأن "الميناء يمكن أن يسهل إخراج الفلسطينيين من غزة" مضيفا أنه "لا يوجد أي عائق أمام مغادرة الفلسطينيين لقطاع غزة، باستثناء عدم رغبة الدول الأخرى في قبولهم".

وكان نتنياهو قد صرح بذلك الأسبوع الماضي، وفقا لقناة كان الإسرائيلية، خلال اجتماع خاص للجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست.

وفي نقطة أخرى، يرى المحلل السياسي، أن الميناء وإدخال المساعدات الإنسانية عبره سيكون ذريعة للولايات المتحدة وإسرائيل للسيطرة على جزء من شاطئ غزة تحت حجة حماية الميناء وتسهيل وصول المساعدات ومنع حركة "حماس" من السيطرة عليها.

ويقول: "شاطئ بحر غزة هو المتنفس الوحيد لسكان القطاع وكان قبل الحرب يزدحم بالمقاهي والمطاعم والأماكن الترفيهية وتواجد قوات أمريكية أو إسرائيلية للحماية المزعومة للميناء سيعني منع الفلسطينيين من الوصول إلى مساحة واسعة من الشاطئ وهي المساحة الأهم لأن الميناء يتم بناؤه في أكثر منطقة حيوية".

واعتبر أن هذا الميناء الأمريكي هو أداة لتشديد الحصار على الفلسطينيين، موضحاً أن الولايات المتحدة لن تسمح بأي حضور لحماس ومؤسساتها أو حتى المؤسسات الفلسطينية المحلية في آلية عمل الميناء وبالتالي فإن الميناء سيعمل وفقاً للرغبة والقيود التي تريدها إسرائيل.

ورأى أن "هذا الميناء احتلالي ويسمح بدخول الجيش الأمريكي لتخوم غزة".

وفي 8 مارس الجاري، ندد المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري بالاقتراح الأميركي لبناء الرصيف البحري.

وقال فخري: "إنها المرة الأولى التي أسمع أحدا يقول إننا بحاجة إلى استخدام رصيف بحري. لم يطلب أحد رصيفا بحريا، لا الشعب الفلسطيني ولا المجتمع الإنساني".

ووصف فخري الاقتراح الأميركي بأنه "خبيث" جاء استجابة لمصالح انتخابية، لافتا إلى أن الولايات المتحدة تقدم في الوقت نفسه قنابل وذخائر ودعما ماليا لإسرائيل.

وتشن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة خلفت عشرات آلاف الضحايا معظمهم أطفال ونساء، وكارثة إنسانية ودمارا هائلا في البنى التحتية، الأمر الذي أدى إلى مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير