عن زيارة إربد ومشروع القينوسي
مالك العثامنة
هناك جولة للملك على المحافظات، يلتقي فيها الناس ويسمعهم، كما ويلتقي مسؤولي الإدارات المحلية وفي تلك الزيارات يكون التنسيق عادة بين الديوان الملكي "ومكتب الملك" مع المؤسسات الرسمية والأهلية، المؤسسات الأهلية التي لها صوت حاضر في الديوان لها حظوة بالضرورة.
في الجولة الملكية الأخيرة، كان الملك في محافظة إربد، والتقى وجهاء وممثلي المحافظة – حسب الخبر الرسمي- في حدائق الملك عبدالله الثاني هناك.
طبعا مع حشد كبير مثل هذا الحشد الجماهيري ستكون هناك إجراءات تنظيمية مدروسة وسيسمع الملك لمتحدثين تم تأطيرهم لغايات تنظيمية بلا شك.
رأس الدولة، الملك تحدث بإشادة عن مشاريع متطورة في قطاعي المياه والطرق، وأشار إلى ضرورة تعزيز المنظومتين التعليمية والصحية.
محافظ إربد تحدث عن نقلات نوعية شهدتها المحافظة خلال 25 عاما ( وهي سنوات اليوبيل الذي يحتفل الأردن به)، وحدد المحافظ محاور تلك النقلات النوعية في التطوير بالاقتصاد والتعليم والصحة والسياحة!
ثم افتتح الملك مدرسة ثانوية شاملة مختلطة، وزار بعدها المفاعل النووي الأردني للبحوث والتدريب (وكنت اول مرة أسمع عن وجود مؤسسة بهذا الحجم من خبر الزيارة)، والخبر نفسه قدم لي معلومة مهمة عن المركز أنه يقوم بتزويد جميع مستشفيات المملكة سنويا بالنظائر المشعة الطبية الأساسية لتشخيص وعلاج السرطان، وأن التكنولوجيا المستخدمة فيه تدعم مجالات الطب والغذاء وعلم الأحياء والكيمياء وتحليل الطب الشرعي والبيئة والتعدين والزراعة والصناعة والبحث العلمي.
هذا كله مدهش ولافت ويعكس حضور الدولة لا في اليوبيل الفضي وحسب، بل في استحقاقها مئويتها الثانية أيضا.
لكن.. هنالك أيضا تلك المبادرات والملك تحديدا يحب المبادرات، وهي منها المبادرات الشبابية، والملك يعلن دوما أنه يؤمن برؤى الشباب دوما، ومنها أيضا مبادرات في الزراعة ومقاومة التصحر، وهو هاجس يحمله الملك في كثير من لقاءاته وأحاديثه وخطاباته.
في إربد، وعلى تخومها تحديدا، هناك على حدود دير يوسف، مشروع بدأ عام 2016، أسسته محامية أردنية هي الأستاذة أمل العمري، وهي مقيمة وتعمل في عمان، لكنها تؤمن بقضية كرست نفسها لها، وهي قضية مقاومة التصحر وزراعة الغابات، فأسست مشروع القينوسي الذي غرسته مع جيش من المتطوعين الشباب المحليين في المنطقة وكان غراسهم شتلات على أرض وبتعاون "فيه مشقة" مع المؤسسات الرسمية ومعارك مع البيروقراط ومخاطبات الصادر والوارد وتحديات التعليمات واللوائح والأنظمة، لكن المشروع اليوم انتهى بغابة حقيقية في دير يوسف فيها أكثر من 1500 شجرة حرجية مكتملة.
المشروع ما يزال قائما "بشق الأنفس وتهديدات العطش" وتمويله ما يزال ذاتيا من مؤسسته وأفراد مؤمنين بالفكرة.
لم يتلق المشروع دعما حقيقيا أكثر من "الحد الأدنى في رفع العتب" وبعض تغطيات إعلامية تلفزيونية وصحفية على صيغة تقارير محشوة في النشرات الإخبارية، ومن بينها مقالات كتبتها انا في صحف عربية.
أمس، وبعد الزيارة الملكية وقفت عند صفحة المحامية أمل العمري التي كتبت بعتب موجع وواضح: (.. طب مدام جلالة الملك اجا اربد ليش ما ورجيتوه غابة ديريوسف. وقلتوله هاي زرعها أردنيون.. اكيد كان رح يفرح فيها).
هذا مشروع بقوة المفاعل النووي، لأنه كان فرديا وذاتيا من شباب أردنيين، ونجح بعوامل الدفع الذاتي المؤمنة فيه، وهو إنجاز كامل من جيل "اليوبيل الفضي" الذي يحتفل الأردن به.
وهذا – بتصوري- مما يفرح له الملك.. فقط لو علم عنه.