"النمر الورقي".. مظلات الهواة تتحول لمقاومة الاحتلال في غزة (فيديو)

{title}
أخبار الأردن -

منذ اللحظة الأولى التي ظهرت فيها تقنيات الطيران المظلي بمحرك "موتور" أو ما يُعرف بـ"Powered paragliding"، لم يعتقد أحد أنها يمكن أن تُستخدم لأغراض عسكرية إلا في نطاقات ضيقة، حتى إنها في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والعديد من البلدان الأخرى تُصنف هذه التقنية في فئة "الطيران الخفيف جدا"، وهي لا تحتاج إلى تصاريح وينظم مستخدموها أمورهم بأنفسهم، كونهم في الأساس رياضيين يودون تحدي أنفسهم واستكشاف الطبيعة.

ولا نظن أننا رأينا من قبل استخداما لهذه الآلة في عمليات عسكرية مباشرة وبهذه الكثافة مثلما حصل بالأمس في عملية طوفان الأقصى، حينما تمكنت حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) من تحقيق اختراق استثنائي لبعض المستوطنات في دولة الاحتلال الإسرائيلي، برا وبحرا وجوا، عن طريق أدوات غير عسكرية بالمرة من دراجات نارية وقوارب عادية وأخيرا المظلات العاملة بالموتور التي ظهرت في مقاطع فيديو نشرتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس. تسببت العملية حتى لحظة كتابة هذه الكلمات في سقوط قرابة 350 قتيلا إسرائيليا وأكثر من 1800 جريح، وعشرات الأسرى، فيما وُصف بأنه أكبر فشل أمني واستخباراتي وعسكري لدولة الاحتلال منذ حرب أكتوبر 1973.

وفي حين أن بعض الدول مثل صربيا والولايات المتحدة الأميركية والهند وروسيا سبق أن اعتمدت صورا من هذه التقنية للاستخدام العسكري، فإن استخدامها انحصر غالبا في أغراض الاستطلاع والمراقبة وتحديد الأهداف، إلى جانب البحث والإنقاذ والتصوير الجوي واكتشاف الألغام ومراقبة الحدود. وفي الولايات المتحدة تحديدا شارك الطيران المظلي بمحرك في عمليات مراقبة المجرمين وتتبع خطوط تهريب المخدرات.

وإذا قررنا مثلا أن نقارن بين نوعين من هذه التقنيات يتشابهان إلى حدٍّ كبير، هما "الطيران المظلي العامل بمحرك" (Powered paragliding) و"المظلات التي تعمل بالطاقة" (Powered parachute)، فسنجد أن الأخيرة أقرب للاستخدام في العمليات شبه العسكرية مثل الاستطلاع والإنقاذ كونها أكبر وتتحمل وزنا أثقل وتطير على ارتفاع أعلى ولمسافة أطول، وفي الوقت نفسه فإن التحكم بها أسهل عن طريق دواسات قدم تتحكم في اتجاه دفع المروحة بينما يكون التحكم في الطيران المظلي العامل بموتور أصعب كونه يعتمد على حلقات يمسكها الطيّار بيديه، وليس عن طريق القدم.

صقور في السماء بتكلفة ممتازة

لكن على الجانب الآخر فإن تقنيات الطيران المظلي بمحرك تتمتع بنسب انزلاق وسرعات أفضل، بخلاف أنها تطير على ارتفاعات منخفضة نسبيا ما يعزز قدرتها على التخفي، والأهم أنه يمكن إطفاء محركها خلال الطيران لخفض الضوضاء تماما، وفقط يستعين قائد الرحلة بدفع الرياح مثل أي مظلة من هذا النوع، ما يزيد القدرة على التخفي، ويناسب العمليات المباغتة من هذا النوع.

وبالطبع هناك مزايا أخرى تجعل من الطيران المظلي بمحرك مناسبا جدا للفلسطينيين، وعلى رأسها التكلفة المنخفضة، فما تنفقه طائرة هيليكوبتر في ساعة واحدة يساوي 300-400 ضعف ما تنفقه مظلات من هذا النوع في ساعة واحدة، هذا إلى جانب سهولة وانخفاض تكلفة الصيانة، وسهولة استبدال قطع الغيار، وكذلك انخفاض تكاليف استهلاك الوقود.

ومع ذلك، فإن هذه التقنية لديها قيود عدة مثل أثر الظروف الجوية القوي، وبالتالي هناك حاجة إلى التدريب الجيد، لأن شخصا ذا تدريب ضعيف سيكون حقا في خطر شديد مع هذه الآلة إذا ساءت الظروف الجوية. ولذلك فإنه لكي يتمكن الطيار من اجتياز المنهج التجريبي الكامل لمعظم المؤسسات التي تقدم خدمات الطيران المظلي لأغراض الترفيه، فإنه يتطلب ما بين 5-15 يوما، يشمل المساق بشكل أساسي تعريف المستخدم بكيفية التعامل مع الجناح والاستجابة لظروف الطقس بأشكالها المختلفة، ويجب أن يطير الشخص بها مع مدرب لمدة 5 ساعات طيران ويقوم بـ30 عملية إقلاع وهبوط.

هناك ثلاثة أنواع من المحرك الخاص بهذه التقنية في الطيران، في أحدها يكون المحرك على الظهر ويقودها شخص واحد فقط، وفي أنواع أخرى يمكن أن ترفق معها عربات ثلاثية أو رباعية العجلات، وفي هذه الحالة تبلغ سعة الوقود عادة 10 لترات، مما يسمح بأقصى زمن طيران يبلغ نحو 3 ساعات، وعموما فإن هذه التقنية تحتفظ بطيران مستقل بلا حاجة إلى التدخل لمدة تتراوح بين 3-5 ساعات. وحسب ما رأيناه في المقاطع التي بثتها حماس، فإن الفلسطينيين قد استخدموا تشكيلة متنوعة من هذه المظلات الطائرة، حيث يمكن أن تميز تلك التي يقودها رجل واحد بمحرك على ظهره، وذات الثلاث والأربع عجلات أيضا.

واعتمادا على قوة المحرك يتحدد الوزن الذي يمكن أن تحمله المظلات من هذا النوع، لكن يتراوح التحميل النموذجي بين 100-200 كغم، ويمكن أن يزيد على ألف كيلوغرام في حالات خاصة. وعند استخدام محرك مناسب، فإن الجندي الذي يطير بالمظلة يمكنه أداء عدة مهام معا، فيلتقط صورا فوتوغرافية أو مقاطع فيديو، ويمكن أن يُسقط طردا أو قنبلة، ويمكن أن يطلق النار.

حينما تخدمك الفيزياء

جناح المظلات من هذا النوع عبارة عن هيكل قماشي مرن له شكل محدب، مما يعني أن السطح العلوي منحنٍ أكثر من السطح السفلي. يتسبب شكل الجناح هذا في تدفق الهواء بشكل أسرع على السطح العلوي منه على السطح السفلي، مما يخلق فرقا في الضغط ينتج عنه قوة رفع للأعلى هي ما تدفع الهيكل للطيران.

تتناسب قوة الرفع مع زاوية الهجوم، وهي الزاوية بين جسم المظلة والرياح، كلما ازدادت قيمة زاوية الهجوم فإن ذلك يعني المزيد من الرفع، ولكن أيضا المزيد من المقاومة، وهي القوة التي تعارض حركة الجناح عبر الهواء، تقلل المقاومة من كفاءة الجناح وتحد من سرعته القصوى.

يوفر المحرك المدمج في المظلة قوة دفع لعدة أغراض، فهو يدفع الإقلاع من على الأرض ويحافظ على الطيران مستمرا، كما يسمح المحرك للطيار بالتحكم في سرعة واتجاه الرحلة. في هذا النوع من المظلات تُربط حلقات يمسكها القائد في يديه وتُثبَّت بالحافة الخلفية للجناح، من خلال سحب أحد المفاتيح أكثر من الآخر، يمكن للطيار أن ينعطف يسارا أو يمينا، ومن خلال سحب كلا المفتاحين، يمكن للطيار زيادة زاوية الهجوم وإبطاء السرعة أو النزول، ومن خلال تحرير كلا المفتاحين، يمكن للطيار تقليل زاوية الهجوم والإسراع.

عادة ما تطير المظلات من هذا النوع بسرعة تتراوح بين 24-80 كيلومترا في الساعة على ارتفاعات يمكن أن تصل إلى 5000 متر.

ورغم محاولات حماس للاستفادة من تقنيات غير مكلفة في عمليات عسكرية ثقيلة، فإن الحركة عملت على مدى سنوات على تطوير قدراتها العسكرية، وخاصة بعد ضربات دولة الاحتلال لغزة في الأعوام 2008 و2014، التي دفعت حماس لتحسين تكتيكاتها وإستراتيجيتها بشكل متسارع، وخاصة بناء وحيازة ترسانة صاروخية كبيرة يصل مداها إلى جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة تقريبا.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد كانت وتيرة إطلاق الصواريخ ضد أهداف بعيدة في داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي في مايو/أيار 2021 غير مسبوقة، بل ومدهشة إذا ما قورنت بعملية عام 2014، الأمر الذي تسبب في تشكيك بعض الخبراء في قدرة القبة الحديدية، نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي الذي طالما روجت له إسرائيل على أنه ستار حديدي لا يُقهر.

والواقع أن دولة الاحتلال الإسرائيلي طالما صدّرت رسالة أساسية واحدة ومستمرة تتعلق بقوة ومناعة تقنياتها العسكرية، لكن مع نجاح مدهش لعمليات مثل "طوفان الأقصى" باستخدام تقنيات ضعيفة نسبيا ورخيصة جدا لو قارنّاها بقدرات دولة الاحتلال، فإننا نتساءل حقا: هل كان التفوق الإسرائيلي مصدره قدرة حقيقية لجيش الاحتلال أم أنه راجع فقط للقيود المفروضة على حصول المقاومة على التقنيات المتقدمة؟ وهنا يحق لنا أن نتساءل أيضا: ماذا يحدث لو امتلك المقاومون الفلسطينيون مسيرات متقدمة مثلا أو صواريخ أدق؟ من المؤكد أن الكثير من الأساطير سوف تنهار ساعتها، بلا رجعة.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير